دمشق تلتقط أنفاسها.. كيف تستفيد سوريا من اشتعال الحرب بين إيران وإسرائيل؟

بينما تدخل الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل أسبوعها الثاني، تلوح في الأفق تحولات استراتيجية قد تغير ملامح المنطقة، في وقت تتابع فيه دمشق التصعيد من موقع المراقب الصامت.
وكانت سوريا لسنوات ساحة اشتباك غير معلن بين الطرفين، قبل أن يتبدل المشهد مع سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي وصعود حكومة جديدة بقيادة أحمد الشرع، انتهجت نهج الحياد السياسي والتركيز على الداخل.
وبالتزامن مع اشتداد الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، أغلقت الحكومة السورية في دمشق مجالها الجوي بشكل كامل مع بداية التصعيد، قبل أن تعيد فتحه جزئياً، في إجراء يعكس الترقب والحذر وسط اشتباك إقليمي مفتوح.
وتواصل الخطوط الجوية السورية تسيير عدد محدود من الرحلات، كما جرت العادة منذ سنوات، بفعل الحصار الطويل والعقوبات التي لم تُرفع بالكامل رغم بعض التسهيلات الغربية الأخيرة.
دمشق تتنفس وسط انشغال إيران وإسرائيل
بحسب تقارير ترى أوساط سياسية مطلعة أن انشغال إسرائيل وإيران في معركة مفتوحة يصب في مصلحة دمشق التي طالما عانت من التدخلات المباشرة من كلا الطرفين. إذ لم تكد الحكومة الجديدة تستقر حتى تعرضت مواقعها العسكرية والإدارية لضربات إسرائيلية مركّزة في الجنوب، فيما حاولت أطراف إيرانية إعادة تفعيل قنوات نفوذها السياسي والعسكري في البلاد.
ووفق مراقبون، فإن تصاعد المواجهة بين طهران وتل أبيب خلق حالة “فراغ تدخلي” مؤقت يمكن لدمشق استثماره لترتيب بيتها الداخلي، بعيداً عن ضغوط الفاعلين الإقليميين، سواء عبر الغارات أو عبر الحضور السياسي والأمني.
حياد دمشق بين إيران وإسرائيل
ويرى خبراء أن الحياد السوري لا يعود فقط إلى رغبة الحكومة الجديدة في النأي بالنفس، بل إلى واقع فرضته ظروف الحرب والدمار والانهيار الاقتصادي. فالبنية الدفاعية الجوية لا تزال هشة، والجيش يعاني نقصًا حادًا في الموارد والتسليح، فيما تبقى القدرة على فرض سيادة جوية أو ردع هجمات خارجية شبه معدومة.
ويُرجّح أن دمشق تدرك محدودية خياراتها العسكرية، وتفضل تجنب أي تورط في صراع يمكن أن يستنزف ما تبقى من مؤسسات الدولة، أو يعيد إشعال ساحات استُنزفت لعقد كامل.
دمشق بين تل أبيب وطهران
رغم القطيعة المعلنة مع طهران منذ سقوط النظام السابق، إلا أن لقاءات شكلية عُقدت خلال الأشهر الماضية بين مسؤولين سوريين وآخرين إيرانيين، لم تؤد إلى إعادة تطبيع العلاقات.
في المقابل، أُجريت لقاءات غير مباشرة بين دمشق وأطراف إسرائيلية عبر وسطاء غربيين، إلا أن تل أبيب لا تزال تنظر بريبة إلى الحكومة السورية الجديدة، خاصة في ما يتعلق بانتشار قوات قريبة من حدودها في الجنوب.
وتشير التطورات الميدانية إلى استمرار استخدام الأجواء السورية كساحة صراع غير مباشر؛ فقد أسقطت الدفاعات الجوية الإسرائيلية عشرات الصواريخ الإيرانية فوق مناطق الجنوب السوري، خصوصاً في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة. كما أسقطت منظومات التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، صواريخ مماثلة في مناطق شمال شرق سوريا.
حسابات دمشق
تدرك الحكومة السورية الجديدة أن الحياد الحالي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، خاصة إذا أدت المواجهة إلى تغيير جذري في بنية النظام الإيراني.
ويرى مراقبون أن سقوط النظام في طهران قد يفتح المجال أمام نظام أكثر اعتدالاً، الأمر الذي قد يعيد رسم خارطة التحالفات في الإقليم.
لكن حتى ذلك الحين، ستسعى دمشق على الأرجح للحفاظ على “الهدنة غير المعلنة” مع الخصمين، وتوظيف فترة الانشغال الإقليمي في تثبيت مؤسسات الدولة، وفتح قنوات تواصل مع الأطراف الدولية التي ظلت لسنوات ترفض التعامل مع السلطة القائمة في سوريا.
اقرأ أيضا
عملية نارنيا.. كيف قتلت إسرائيل 9 علماء نوويين في إيران أثناء نومهم؟