دولة إسلامية تتفوق على عدوها اللدود براجمة صواريخ من إنتاجها.. مداها يصل لـ400 كم

نجحت باكستان في تطوير راجمة صواريخ محلية الصنع تحمل اسم “فتح”، ضمن سلسلة من المنظومات التكتيكية التي تهدف إلى تعزيز القدرة على توجيه ضربات دقيقة ضد أهداف عسكرية هندية في حال اندلاع مواجهة.

يأتي هذا الإنجاز في إطار سباق التسلح المتسارع بين البلدين النوويين، لكنه يمنح باكستان ميزة حاسمة في ميدان المعركة التقليدية.

باكستان تتفوق على الهند براجمة الصواريخ “فتح” الموجهة

في ظل تصاعد سباق التسلح التقليدي بين باكستان والهند، كشفت إسلام آباد عن إنجاز استراتيجي جديد يتمثل في تطوير سلسلة راجمات صواريخ “فتح” الموجهة محليًا، التي تمثل نقلة نوعية في قدرات الردع الباكستانية، وتؤسس لعقيدة جديدة تقوم على الضربات الدقيقة بعيدة المدى من دون الاعتماد على الطيران أو الصواريخ الباليستية الثقيلة.

من “يرموك” إلى “فتح”: التحول نحو الدقة

يُعدّ برنامج “فتح” ثمرة جهود الهيئة الوطنية للهندسة والعلوم (NESCOM) ويُسوَّق عبر شركة الصناعات الدفاعية الباكستانية “GIDS”، ضمن رؤية تهدف إلى تعزيز الاستقلال العسكري الوطني والتخلّص من التبعية الخارجية في مجال أنظمة الإسناد الناري.

فبعد الاعتماد لسنوات على منظومات صاروخية غير موجهة من طراز “يرموك”، اتجهت باكستان نحو تطوير راجمات دقيقة موجهة تعمل بأنظمة ملاحة متقدمة، لتواكب المتطلبات الحديثة للحرب. ويمثل نظام “فتح” ذروة هذا التحول العقائدي.

يمكنها حمل وإطلاق 8 صواريخ من طراز فتح-1 بمدى 140 كيلومتراً موجهة بالقصور الذاتي والملاحة بالقمر الصناعي او صاروخين فتح-2 بمدى 400 كيلومتراً وهو صاروخ بالستي تكتيكي قصير المدى.

أو يمكنها حمل مزيج من الصواريخ أربعة صواريخ فتح-1 بمدى 140 وصاروخ واحد فتح-2 بمدى 400 كم او صاروخ حاربة عبارة عن صاروخ كروز تكتيكي مضاد للأهداف البرية والبحرية بمدى 280 كيلومتراً.

استخدمت باكستان صواريخ فتح-1 ضد المواقع العسكرية الهندية في الصراع الأخير بين البلدين واستطاعت الصواريخ إصابة الهدف بدقة عالية.

فتح-1: أول راجمة صواريخ موجهة باكستانية

تم الكشف عن راجمة “فتح-1” في 7 يناير 2021، باعتبارها أول منظومة صواريخ متعددة الإطلاق موجهة (GMLRS) تُطوّر محليًا في باكستان.

صُممت “فتح-1” للقيام بضربات دقيقة وعميقة داخل أراضي العدو، وتُعدّ بديلاً أكثر تطورًا من منظومات “A-100” الصينية التي كانت تنتج سابقًا بترخيص محلي.

القدرات الرئيسية لـ”فتح-1″:

المدى: من 70 حتى 140 كيلومترًا.

نسبة الخطأ الدائري (CEP): أقل من 15 مترًا.

عدد الصواريخ لكل قاذفة: 8 صواريخ.

الرأس الحربي: شظايا تفجيرية.

التوجيه: يعتمد على أنظمة GPS وINS.

القدرة العملياتية: ضرب 8 أهداف مختلفة ضمن منطقة 8×8 كم بأعلى مدى.

هذه القدرات منحت الجيش الباكستاني وسيلة فعالة للقيام بهجمات دقيقة على مقرات القيادة، مراكز الاتصالات، وتجمعات العدو، دون الحاجة إلى دخول أجواء معادية.

فتح-2: قفزة استراتيجية نحو العمق الهندي

في عام 2023، كشفت باكستان عن الجيل الثاني من هذه المنظومة تحت اسم “فتح-2″، الذي دخل الخدمة رسميًا أوائل عام 2024.

ويتميّز هذا النظام بمدى معزّز يصل إلى 290 كيلومترًا (مع نسخة محلية خاصة تصل حتى 400 كم)، ما يجعله قادرًا على استهداف عمق الأراضي الهندية، بما في ذلك قواعد جوية ومستودعات لوجستية.

مواصفات “فتح-2”:

النوع: صاروخ أرض-أرض موجه

المدى: 100 إلى 290 كم (أو 400 كم للنسخة الداخلية).

الدقة: معامل الخطأ أقل من 50 متر.

الرأس الحربي: 365 كغ تفجيري أو شظايا تفجيرية.

التوجيه: INS + GNSS مع مسارات مبرمجة.

المنصة: قاذفة مزدوجة مائلة، تدعم الضرب المنفرد أو المتزامن.

من الناحية التقنية، يحتوي “فتح-2” على مركبة انزلاقية فرط صوتية تنفصل في طبقات الجو العليا، ما يمنحه قدرة مناورة في منتصف المسار ويصعّب على أنظمة الدفاع الجوي الهندية اعتراضه.

البعد الاستراتيجي .. دقة وصعوبة في الاعتراض

يمثل تطوير “فتح-1″ و”فتح-2” تجسيدًا لعقيدة باكستانية جديدة تهدف إلى تجاوز التفوق العددي والتقني للهند عبر أنظمة ذكية يصعب التصدي لها. فبدلًا من الدخول في سباق تسليح كلاسيكي مكلف، تستثمر باكستان في أنظمة ردع دقيقة، متحركة، وقابلة للنشر السريع.

كما تعمل باكستان على تطوير نسخ مستقبلية أكثر تطورًا مثل “فتح-3″ (بمدى يصل إلى 450 كم) و”فتح-4″ (بمدى قد يبلغ 700 كم)، ما يعزز قدرات الضرب الاستراتيجي طويل المدى ضمن ما يُعرف بـ”الضربة الثانية”.

باكستان ترسم قواعد جديدة للردع التكتيكي

في ظل بيئة أمنية متقلبة وسباق تسلّح محتدم في جنوب آسيا، تضع باكستان بمنظومة “فتح” أسسًا جديدة للردع المعتمد على الدقة والتكنولوجيا المحلية.

هذه المنظومة لا تمنح باكستان فقط القدرة على ضرب العمق الهندي بفعالية، بل تخلق معضلة استراتيجية للقيادة العسكرية الهندية، التي تواجه الآن تهديدًا صاروخيًا عالي الدقة، متحركًا، ومنخفض التكلفة نسبيًا.

وإذا ما اكتمل تطوير النسخ الأطول مدى، فإن راجمات “فتح” قد تتحوّل إلى عامل حاسم في معادلة الردع الإقليمي – ليس فقط ضد الهند، بل في أي سيناريو يهدد الأمن القومي الباكستاني.

“فتح” ترسّخ فلسفة الضربة الدقيقة المرنة

من وجهة نظر عسكرية، تمثّل منظومة “فتح” تحوّلًا مفصليًا في المفاهيم القتالية الباكستانية. إذ لم تعد المعادلة تقتصر على امتلاك صواريخ طويلة المدى ذات قدرة تدميرية عالية فحسب، بل بات العنصر الحاسم هو القدرة على إصابة الأهداف الحيوية بدقة عالية مع مرونة تكتيكية في النشر والاستخدام.

التركيز على منظومات مثل “فتح-1” و”فتح-2″، بقدراتها الدقيقة ومدياتها المتدرجة، يعكس عقيدة قتالية متعددة الطبقات في المدى القريب، تُستخدم “فتح-1” كأداة سريعة للرد على أي توغّل أو تهديد مفاجئ.

أما “فتح-2″، فتُعد ورقة استراتيجية للقيام بضربات وقائية أو عقابية ضد مراكز القيادة، القواعد الجوية، أو مواقع الدفاع الجوي المعادية، دون الحاجة للجوء إلى صواريخ باليستية ضخمة تُحفّز ردًا نوويًا.

كما أن اعتماد “فتح-2” على مركبة انزلاقية مناورة في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، يجعلها أشد تعقيدًا لاعتراضها من قبل الدفاعات الجوية الهندية، حتى المتطورة منها مثل “باراك-8” أو “S-400”. هذا يمنح باكستان قدرة فعالة على اختراق “فقاعة الدفاع” الهندية في سيناريو أي مواجهة واسعة.

وبمجرّد دخول “فتح-3″ و”فتح-4” الخدمة، فإن باكستان ستكون قد بنت منظومة ضربات دقيقة متدرجة المدى، تعتمد على منصات أرضية مرنة، ومنخفضة التكاليف، وقادرة على التوزيع الجغرافي الواسع، وهو ما يصعب استهدافه بشكل استباقي في أي ضربة أولى.

في المحصلة، يمكن القول إن راجمات “فتح” ليست مجرد صواريخ موجهة، بل هي نواة لعقيدة ردع جديدة قائمة على السرعة، الدقة، والقدرة على الإنهاك الناري المتواصل – وهي عناصر بدأت تُقلب موازين القوة في شبه القارة الهندية لصالح إسلام آباد، ولو تدريجيًا.

اقرأ أيضاً .. الصين تبني مصنع ذخائر في دولة خليجية.. شراكة عسكرية ترسم ملامح جديدة للمنطقة

زر الذهاب إلى الأعلى