دولة تحت الأرض.. تفاصيل جديدة حول مملكة ماهر الأسد في سوريا

برزت على مدار سنوات الصراع في سوريا الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري السابق، كقوة عسكرية وأمنية ذات نفوذ اقتصادي هائل.
لم يقتصر دور هذه الفرقة على العمليات العسكرية وحماية النظام، بل امتد ليشمل السيطرة على العديد من القطاعات الاقتصادية، مما جعلها لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد السوري.
شبكات التهريب والسيطرة على المعابر
وفق تقارير صحفية، كان أبرز مصادر الدخل للفرقة الرابعة شبكات التهريب التي تديرها عبر الحدود السورية مع لبنان، العراق، والأردن. سيطرت الفرقة على المعابر الرئيسية وفرضت رسومًا على البضائع الداخلة والخارجة، ما أتاح لها جمع مبالغ ضخمة بعيدًا عن أي رقابة رسمية.
كما كانت تجارة الوقود والمواد الغذائية والمخدرات جزءًا من هذه العمليات، حيث وثّقت تقارير عدة دور عناصر الفرقة في إدارة هذه الأنشطة غير المشروعة.
شبكات غسيل الأموال
إضافةً إلى التهريب، استخدمت الفرقة الرابعة شركات وهمية وواجهات تجارية لإدارة استثماراتها داخل سوريا وخارجها.
كانت هذه الشركات تُستخدم كغطاء لغسل الأموال وإدارة مشاريع عقارية وتجارية ضخمة، تتراوح بين تجارة السيارات إلى استيراد السلع الأساسية.
من خلال هذه الشبكات، تمكن ماهر الأسد والمقربون منه من الاستحواذ على نسبة كبيرة من الاقتصاد السوري، حتى بات يطلق على هذه الشبكة “إمبراطورية ماهر الأسد الاقتصادية”.
السيطرة على موانئ سوريا والمرافق الحيوية
لم يقتصر نفوذ الفرقة الرابعة على المعابر البرية، بل امتد ليشمل الموانئ السورية، وخصوصًا ميناء اللاذقية، الذي أصبح تحت إدارة غير رسمية من قبل عناصر الفرقة. ووُثّقت عمليات تهريب واسعة النطاق عبر الميناء، شملت السلاح والمخدرات، بالإضافة إلى فرض إتاوات على التجار والمستوردين.
دولة تحت الأرض
كان المقر الخاص لماهر الأسد فوق متاهة أنفاق محفورة في قلب جبل يعلو دمشق، يتسع بعضها لمرور شاحنة.
وفي رحلة عبر الأنفاق قامت بها وكالة فرانس برس رفقة حارس ملثم تابع للسلطة السورية الجديدة ، كان الحارس يشير إلى حمام هنا وغرفة نوم هناك، ومسارات خروج في حالات الطوارئ.
بعد النزول عبر سلم شديد الانحدار مؤلف من 160 درجة، توجد غرف موصدة ببوابات مصفحة.
ويقول الحارس إنه أحصى تسع خزنات داخل إحدى الغرف.
ويوضح كيف أن الخزنات تعرضت “للكسر” والنهب على أيدي أشخاص اقتحموا المكان في الثامن من ديسمبر، بعد ساعات قليلة من الإطاحة بنظام الأسد.
مكتب ماهر الأسد تحت الأرض
وفق التقرير ففي المجمع تحت الأرض، تظهر خزنات مفتوحة وصناديق ساعات رولكس وكارتييه فارغة مرمية في كل ناحية. ولا يتضح ما إذا كانت الخزنات قد أُفرغت من الأموال قبل نهبها أم لا.
ويشير الحارس إلى مكتب، يقول إنه “المكتب الأساسي” لماهر الأسد، مؤلف من “طابقين فوق الأرض وتحته أنفاق تضم غرفا مغلقة لا يمكن فتحها”.
إلى جانب خزنة مهجورة داخل ممر، يمكن رؤية جهاز تغليف حراري جرى استخدامه على الأرجح لتغليف الأوراق النقدية.
وثائق تكشف المستور
بعد سقوط النظام، تم الكشف عن وثائق رسمية ومراسلات سرية توضح مدى تغلغل الفرقة الرابعة في الاقتصاد السوري.
أظهرت هذه الوثائق كيف أدار ماهر الأسد إمبراطوريته المالية عبر شبكة من الشخصيات المقربة، وضمنت هذه الشبكة بقاءه كمحرك رئيسي للاقتصاد حتى بعد انهيار النظام.
كما تُظهر في أحد المستندات الموجودة بين مئات الأوراق المبعثرة داخل مكتب أمن تابع للفرقة الرابعة، أنه كان هناك حتى الرابع من يونيو سيولة نقدية قدرها ثمانون مليون دولار، وثمانية ملايين يورو، و41 مليار ليرة سورية.
وتوثّق مئات المستندات احتفاظ ماهر الأسد ومكتب الأمن بمبالغ شبيهة في الفترة الممتدة بين العامين 2021 و2024.
هروب ماهر الأسد
بحسب مصدر عراقي رفيع المستوى ومصدرين سوريين آخرين، أن ماهر الأسد لم يكن يعلم بعزم شقيقه بشار الفرار إلى روسيا. وهرب بشكل منفصل في مروحية أقلته إلى العراق ومنها الى روسيا، عبر إيران على الأرجح.
مستقبل إمبراطورية ماهر الأسد
ورغم تفكيك الفرقة الرابعة، يحذر محللون من أن إرثها لا يزال حاضرًا بقوة، إذ كانت مؤسسة تجمع بين العمل العسكري، والاستخبارات، والاقتصاد، والجريمة المنظمة. ولا تزال شبكاتها المالية والعلاقات التي نسجتها على مدار عقود تمثل تحديًا أمام السلطات الجديدة في سوريا.
ومع تغير المشهد السياسي في سوريا، برزت تساؤلات حول مصير هذه الإمبراطورية الاقتصادية. هل ستتفكك هذه الشبكة مع الضغوط الدولية والمحلية، أم ستجد طريقة جديدة للبقاء عبر تحالفات جديدة؟
اقرأ أيضًا: صلاحيات واسعة للرئيس.. تسريبات حول مسودة الإعلان الدستوري في سوريا