دون حقوق للمرأة.. سوريا تواجه حافة الفشل

القاهرة (خاص عن مصر)- أدى سقوط نظام الأسد إلى تفكك سوريا، حيث تتنافس فصائل مثل هيئة تحرير الشام على السيطرة وسط فراغ في السلطة. وعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام سعت إلى إعادة صياغة نفسها كمنظمة موجهة نحو الحكم، فإن موقفها من حقوق المرأة يثير مخاوف كبيرة بشأن نواياها الحقيقية.

ووفقا لتحليل نشرته مجلة فورين بوليسي للكاتب ساجان م. جوهيل، مدير الأمن الدولي في مؤسسة آسيا والمحيط الهادئ، واستاذ زائر في مركز المرأة والسلام والأمن في كلية لندن للاقتصاد، فإن هذه القضية ليست مجرد مسألة حقوق إنسان – فهي تكمن في صميم الاستقرار المحتمل لسوريا أو انحدارها إلى الفوضى التي تغذيها التطرف.

العلاقة بين كراهية النساء والتطرف

يسلط تحليل فورين بوليسي الضوء على عنصر حاسم ولكنه متجاهل في الأمن العالمي: تقاطع كراهية النساء والإرهاب، حيث يؤدي قمع حقوق المرأة إلى تفاقم عدم الاستقرار الاجتماعي، مما يخلق أرضًا خصبة للتطرف.

كما إن الأنظمة الاستبدادية والجماعات المسلحة تستغل غالبًا الفراغ في السلطة لفرض أيديولوجيات رجعية، واستهداف النساء لتأكيد السيطرة على المجتمع.

من طالبان في أفغانستان إلى تنظيم داعش في العراق وسوريا، يُظهِر التاريخ أن كراهية النساء هي السمة المميزة للجماعات المتطرفة.

فقد شهدت عودة طالبان إلى السلطة في عام 2021 تراجعًا فوريًا في حريات النساء، في حين استخدم تنظيم داعش العنف القائم على النوع الاجتماعي كجزء من حملاته الإبادة الجماعية.

تشير السياسات التقييدية لهيئة تحرير الشام في إدلب – فرض قواعد اللباس، والقيود على التنقل، والوصول المحدود إلى التعليم – إلى رؤية قاسية مماثلة لمستقبل سوريا.

اقرأ أيضا.. روسيا تقصف كييف بثمانية صواريخ باليستية بعد يوم من خطاب بوتين

سجل هيئة تحرير الشام المقلق

حاولت هيئة تحرير الشام، بقيادة أبو محمد الجولاني، تصوير نفسها كقوة إصلاحية في سوريا. تضمنت جهود الجولاني لبناء هياكل الدعم والحكم المحلية وعودًا بالإصلاح المؤسسي.

ومع ذلك، فإن معاملة المجموعة للنساء ترسم صورة مختلفة. تواجه النساء في إدلب قيودًا شديدة على ملابسهن وحرية حركتهن وفرصهن التعليمية. إن التوظيف يقتصر على أدوار محددة تعتبر مقبولة في ظل الحكم القائم على الشريعة الإسلامية في هيئة تحرير الشام، مما يزيد من ترسيخ عدم المساواة بين الجنسين.

كما أن الموقف الأيديولوجي لهيئة تحرير الشام يحصر النساء في أدوار مقدمات الرعاية والأمهات، وهو أمر حيوي فقط في مساهمتهن في استقرار الأسرة وإعادة إنتاج المجتمع.

تواجه النساء اللواتي يتحدين هذا السرد المضايقات والاعتقال أو ما هو أسوأ. كما تم استهداف الناشطين والعاملين في المجال الإنساني، وخاصة أولئك الذين يركزون على صحة الأم، بشكل منهجي، مما أدى إلى تفاقم محنة النساء والأطفال في مناطق الصراع.

الدروس المستفادة من الدول الفاشلة الأخرى

إن مسار كراهية النساء في سوريا تحت حكم هيئة تحرير الشام يعكس الأنماط التي شوهدت في أفغانستان وليبيا وإيران ما بعد الثورة.

ففي ليبيا، أدى انهيار نظام القذافي إلى تعميق الانقسامات المجتمعية وتراجع حريات المرأة. وعلى نحو مماثل، في إيران، تم استبدال وعود المساواة بعد الثورة بسرعة بنظام من القمع والإقصاء. وتؤكد هذه الأمثلة كيف تعمل الإيديولوجيات الأبوية غير الخاضعة للرقابة على إدامة دورات العنف وعدم الاستقرار.

المسؤولية الدولية

مع اكتساب هيئة تحرير الشام نفوذاً، تهدد سياساتها بإضفاء الطابع المؤسسي على الاستبداد والقمع القائم على النوع الاجتماعي في سوريا.

يزعم ساجان م. جوهيل، أن المجتمع الدولي لابد أن يعطي الأولوية لحقوق المرأة باعتبارها حجر الزاوية في استراتيجيات مكافحة الإرهاب والأمن العالمي. كما أن معالجة كراهية النساء ليست قضية ثقافية ــ بل هي ضرورية لكسر دورات التطرف التي تغذي عدم الاستقرار.

ولمنع سوريا من أن تصبح دولة فاشلة أخرى، لابد أن يشترط الفاعلون العالميون تقديم المساعدات والمشاركة مع هيئة تحرير الشام على إجراء إصلاحات ملموسة.

يشمل ذلك ضمان حصول المرأة على التعليم والرعاية الصحية، والقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي، ودعم المؤسسات التي تحترم حقوق الإنسان. ولابد أن تلعب الجهات الفاعلة الإقليمية، مثل الأردن والإمارات العربية المتحدة، دوراً في مكافحة التطرف وتفكيك تجارة المخدرات التي يتاجر بها نظام الأسد، بما في ذلك إزالة مخزونات الكبتاجون.

كما أن جهود هيئة تحرير الشام لإعادة صياغة هويتها والاعتبارات الدولية لإزالتها من قوائم الإرهاب لابد وأن تخضع للتدقيق في ضوء أفعالها. ولابد وأن يتوقف أي اعتراف بحكومة سورية مستقبلية على الالتزامات بالتخلي عن الإرهاب، وحماية حقوق الأقليات والنساء، وتفكيك مخزونات الأسلحة الكيماوية والمخدرات.

كراهية ضد النساء

ومن خلال تمكين المرأة وإعطاء الأولوية لحقوقها، يستطيع المجتمع الدولي أن يساعد في تشكيل سوريا أكثر استقرارا وتعددية.

كما أن الفشل في معالجة هذه القضايا من شأنه أن يسمح للكراهية ضد النساء والتطرف بتحديد مستقبل البلاد.

كما خلص تحليل فورين بوليسي ببراعة، فإن الكراهية ضد النساء ليست مجرد أحد أعراض التطرف ــ بل هي قوة دافعة. إن ضمان حقوق المرأة ليس مجرد ضرورة أخلاقية، بل ضرورة استراتيجية للسلام والاستقرار في سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى