رؤية 2030 تواجه واقعا معقدا.. لماذا لا يزال النفط عصب الاقتصاد السعودي رغم الإصلاحات؟

بعد مرور قرابة عقد على إعلان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الجريء أن المملكة العربية السعودية قادرة على البقاء بدون نفط بحلول عام 2020، تظهر المؤشرات الاقتصادية أن المملكة لا تزال تعتمد بشكل رئيسي على عائدات النفط رغم جهودها المتواصلة لتنويع مصادر دخلها وتنمية قطاعات جديدة في إطار رؤية 2030.

في البداية، وصف ولي العهد الاقتصاد النفطي بأنه “إدمان” يجب التخلص منه، وقد رافق ذلك إصلاحات واسعة شملت زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وتوسيع قطاع السياحة، والنمو في صناعات ناشئة مثل السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات.

ومع ذلك، أظهرت بيانات اقتصادية ورأي خبراء أن الاعتماد على النفط قد ازداد بدلا من أن يتراجع، وهو أمر يعكس واقع التحول التدريجي الذي تتطلبه مثل هذه الرؤية الطموحة؛ بحسب وكالة “بلومبرج”.

ارتفاع سعر التعادل المالي للنفط

وتقدر بلومبرج إيكونوميكس أن سعر النفط التعادلي المالي للمملكة ارتفع إلى 96 دولارا للبرميل، وهو أعلى من مستوى عام 2016. وعند احتساب الإنفاق المحلي لصندوق الاستثمارات العامة (PIF)، يرتفع هذا الرقم إلى 113 دولارا للبرميل. ويفسر هذا الارتفاع بزيادة الإنفاق الحكومي التي تجاوزت نمو الإيرادات غير النفطية.

وقال زياد داود، كبير الاقتصاديين للأسواق الناشئة في بلومبرج إيكونوميكس: “الهدف الأساسي لرؤية 2030 هو خفض الاعتماد على النفط. ولكن بالمقياس الحالي، المملكة أصبحت أكثر اعتمادا على النفط.”

وتفاقم المشكلة الأسعار المنخفضة نسبيا لخام برنت في 2024، التي بلغت في المتوسط 76.50 دولارا، مما دفع الحكومة إلى زيادة الاقتراض من الأسواق العالمية وبيع الأصول لسد العجز المالي.

الإنفاق العام المتزايد يطغى على نمو الإيرادات غير النفطية

وعلى الرغم من نمو الإيرادات غير النفطية من 50 مليار دولار في 2016 إلى أكثر من 134 مليار دولار في 2024، فإن هذه الزيادة لا تكفي لتعويض ارتفاع الإنفاق الحكومي.

وتعاني المملكة من عجز مالي ربع سنوي مستمر، يعود جزئيا إلى الإنفاق على مشاريع ضخمة مثل مشروع نيوم وناطحة سحاب الرياض المكعبة، التي صممت لاستيعاب حجم 20 مبنى إمباير ستيت.

ولا تزال سياسة زيادة الإنفاق خلال فترات ارتفاع أسعار النفط قائمة، رغم تصريحات وزير المالية محمد الجدعان السابقة التي نفت اعتماد ميزانية المملكة على أسعار النفط.

توضح مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري: “المملكة تمتلك احتياطيات مالية قوية تسمح لها بدعم مشاريعها التنموية خلال هذه المرحلة المهمة، مع الحاجة إلى تبني سياسات مالية متوازنة للحفاظ على الاستقرار.”

وردا على ذلك، قالت وزارة المالية إن النفقات الرأسمالية المرتفعة حاليا جزء من مرحلة مؤقتة ضرورية لتمويل مشاريع التحول الاقتصادي طويلة الأجل، موضحة: “مع وصول هذه المبادرات إلى طاقتها التشغيلية الكاملة، ستبدأ بتحقيق العوائد والمساهمة في الاقتصاد والميزانية.”

نمو الاقتصاد غير النفطي.. تحرك ملموس نحو التنويع

من جهة أخرى، يشير نمو الاقتصاد غير النفطي، الذي حقق معدل نمو يفوق 4.5% في الربع الأول من عام 2025، إلى تحرك ملموس نحو تنويع النشاط الاقتصادي، إذ بات يشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي البالغ 1.1 تريليون دولار. ومع زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، تواصل المملكة تعزيز مكانتها الاقتصادية في المنطقة.

وعلى الرغم من ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أكثر من 6 مليارات دولار في الربع الأول، لا تزال المملكة بعيدة عن هدفها السنوي البالغ 37 مليار دولار، بسبب تحديات مستمرة في جذب رأس المال الأجنبي الضروري لسد عجز الميزانية.

قال جيسون توفي، نائب كبير الاقتصاديين في كابيتال إيكونوميكس: “شهدنا تحسنا اقتصاديا كبيرا، لكن المملكة لن تتخلص تماما من الاعتماد على النفط. السؤال الحقيقي هو مدى قدرتها على تقليل هذا الاعتماد في إدارة السياسة المالية، وهذا ممكن.”

عجز في الحساب الجاري حتى 2030

ومع توقعات صندوق النقد الدولي ببقاء الحساب الجاري للمملكة في عجز حتى نهاية العقد الحالي، يرى المحللون أن ذلك جزء من التحولات المالية التي ترافق مراحل بناء اقتصاد متنوع ومستدام.

ويُعزى هذا العجز ليس فقط لانخفاض عائدات النفط، بل أيضا لارتفاع تكاليف الاستيراد والتحويلات الخارجية، مع استمرار الضغوط على الإنفاق العام. ومع تصنيف ائتماني قوي (Aa3) مكّن المملكة من بيع سندات بقيمة نحو 15 مليار دولار هذا العام، إلا أن الاعتماد على الاقتراض ليس حلاً مستدامًا.

اقرأ أيضا.. طريقة استخراج تأشيرة الزيارة العائلية في السعودية 2025| رسوم مخفضة وخطوات إلكترونية سهلة وبسيطة

رؤية 2030 في مرحلة انتقالية

بهذا، تظل رؤية 2030 مشروعا طموحا وجوهريا لمستقبل السعودية الاقتصادي، يسير بخطوات مدروسة وسط تحديات وفرص متوازنة.
ويتفق الخبراء على أن المملكة تحقق تقدما حقيقيا، لكنها ما تزال في رحلة طويلة نحو اقتصاد متنوع ومستدام.

وتظهر الحكومة استعدادا للاستثمار والاقتراض والإصلاح، لكن النفط سيبقى الدعامة الأساسية للاقتصاد السعودي لفترة طويلة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى