رادع نووي أوروبي.. القارة العجوز تواجه معضلة الأمن مع تخلي الولايات المتحدة عنها

أدى الالتزام غير المؤكد من جانب الولايات المتحدة بالأمن الأوروبي، والذي تفاقم بسبب موقف الرئيس دونالد ترامب الرافض لحلف شمال الأطلسي، إلى إعادة إشعال المناقشات حول إنشاء رادع نووي أوروبي.
ووفقا لمقال بقلم سيمون تيسدال في الجارديان البريطانية، أن السؤال الملح الذي يواجه الزعماء الأوروبيين الآن هو ما إذا كان ينبغي لبريطانيا وفرنسا التعاون في إنشاء درع نووي مشترك لردع التهديدات المحتملة من روسيا وسط مخاوف من تقليص الدعم العسكري الأمريكي.
أدت تصريحات ترامب الأخيرة حول خفض الإنفاق الدفاعي الأمريكي إلى النصف، وخاصة على الأسلحة النووية، إلى تأجيج المخاوف من أن واشنطن قد تقلل بشكل كبير أو حتى تسحب قواتها النووية من أوروبا. كما أدت تعليقاته المهينة حول حلف شمال الأطلسي وتشجيعه لروسيا على التحرك ضد الدول الأعضاء غير الملتزمة إلى تصعيد المخاوف بين الدول الأوروبية.
ماكرون يدفع باتجاه مظلة نووية أوروبية
في خضم هذه الشكوك الأمنية المتزايدة، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى عقد قمة طارئة في باريس، تجمع زعماء أوروبيين، بما في ذلك رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، لمناقشة دفاع أوكرانيا ومستقبل الأمن الأوروبي.
اكتسبت دعوة ماكرون الطويلة الأمد للتكامل الدفاعي الأوروبي إلحاحًا جديدًا، مع ترويج الزعيم الفرنسي مرة أخرى لفكرة الدرع النووي الأوروبي الشامل.
اقترح ماكرون لأول مرة حوارًا استراتيجيًا حول الردع النووي الفرنسي في عام 2020، وأكد موقفه في عامي 2022 و2023. وفي حين لا يقترح التكامل الكامل للترسانة النووية المستقلة الفرنسية – قوة الكبح – تحت سيطرة الاتحاد الأوروبي، يصر ماكرون على أن التخطيط الدفاعي النووي الفرنسي له “بعد أوروبي”، خاصة إذا تعرضت مدن أوروبية كبرى مثل برلين للتهديد.
أقرا أيضا.. اليابان تراهن بـ1.5 مليار دولار على الخلايا الشمسية فائقة الرقة في تحدٍ للصين
جدوى وتحديات الدفاع النووي المشترك
إن احتمال وجود رادع نووي أوروبي مشترك يثير أسئلة جيوسياسية وعسكرية ومالية معقدة. وتشمل المخاوف الرئيسية من سيكون له السلطة على مثل هذه الأسلحة، وكيف سيتم تمويل القوة النووية المشتركة، وما إذا كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى استفزاز العدوان الروسي أو تسريع انسحاب الولايات المتحدة من الشؤون الأمنية الأوروبية.
يظل موقف ألمانيا منقسما. يعارض المستشار أولاف شولتز والخضر المناهضون للطاقة النووية بشدة هذا المفهوم، في حين يعترف زعماء محافظون مثل فريدريش ميرز ومانفريد ويبر بضرورته نظرا للتحالف عبر الأطلسي غير المؤكد. اقترح بعض المسؤولين الألمان أن الشراكة النووية بين المملكة المتحدة وفرنسا يمكن أن تكون بديلا قابلا للتطبيق، مع ترسانات بريطانية وفرنسية تضاهي القدرة النووية للصين.
دور المملكة المتحدة وتداعياتها السياسية
بالنسبة للمملكة المتحدة، فإن التوافق مع رؤية ماكرون النووية يقدم فرصا استراتيجية وتحديات سياسية. يواجه ستارمر معارضة من داخل حزب العمال والفصائل المتشككة في أوروبا والقلقة بشأن السيادة الوطنية. إن التحالف النووي بدون إشراف مباشر من الولايات المتحدة قد يشير إلى تحول في استراتيجية الأمن الأوروبية، مما يتحدى الافتراضات القديمة حول دور حلف شمال الأطلسي.
يزعم خبراء الدفاع أن تعزيز الردع النووي الأوروبي ضرورة لا مفر منها. يقترح جوزيف دي ويك، الكاتب في مجلة السياسة الدولية، أن أوروبا ربما لم تعد تتمتع برفاهية النهج التدريجي للتكامل الأمني. إن توسيع الضمانات النووية البريطانية والفرنسية للقارة بأكملها – بما في ذلك أوكرانيا – قد يمثل بداية لعقيدة دفاعية أوروبية جديدة.
عصر جديد للدفاع الأوروبي؟
مع تزايد النظرة إلى الولايات المتحدة باعتبارها شريكًا أمنيًا غير موثوق به، يجب على القادة الأوروبيين اتخاذ خطوات حاسمة لحماية القارة. لم يعد النقاش حول الردع النووي الأوروبي نظريًا بل قضية ملحة يمكن أن تعيد تشكيل الموقف الاستراتيجي لأوروبا لعقود قادمة. سواء من خلال التعاون الفرنسي البريطاني أو إطار دفاعي أوروبي أوسع، يبدو أن وقت العمل قد حان الآن.