رحلة عبر الزمن لـ11 معلم أثريا تكشف تاريخ القاهرة منذ تأسيسها
عدد تقرير مطول أعده ديل باباس، دكتوراه في التاريخ الأوروبي الحديث، لموقع ذا كوليكتور، عن القاهرة، التي تضرب بجذورها في التاريخ، وذكر مجموعة من المعالم الأثرية التي تكشف عن تاريخ تلك المدينة الفريدة.
بحسب تقرير ذا كوليكتور، على عكس المدينة القديمة في العصر الفرعوني، فإن أصول القاهرة تعود إلى العصور الوسطى، ثم تطورت إلى المدينة الكبرى المترامية الأطراف التي هي عليها اليوم.
يؤكد المهندس المعماري والمؤرخ نزار الصياد، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، على جذور القاهرة التي تعود إلى العصور الوسطى، باستثناء بعض المناطق الصغيرة من المدينة.
كما يسلط الصحفي جاك شينكر الضوء على أن 2% فقط من سكان القاهرة الحديثة كانوا يعيشون في مناطق مأهولة بالسكان أثناء غزو نابليون عام 1798، مما يبرز التطور الحضري السريع على مدى القرن الماضي.
يقدم تقرير ذا كوليكتور، التاريخ الغني للقاهرة من خلال 11 معلمًا أثريًا رئيسيًا:
- القبطية/القاهرة القديمة: جذور المسيحية المبكرة
تعود الآثار الرومانية في القاهرة، الواقعة في الحي القبطي، إلى ما قبل الفتح الإسلامي. وكانت قلعة بابل الرومانية والمجمعات الدينية المصرية القديمة القريبة جزءًا من المشهد قبل أن تدخل القوات العربية بقيادة عمرو بن العاص الإسلام في عام 640 م.
تقف القاهرة القديمة اليوم كشهادة على جذور مصر المسيحية المبكرة. ويوضح نزار الصياد أن المسيحية وصلت إلى مصر في القرن الأول، مما يجعلها واحدة من أقدم مراكز الإيمان داخل الإمبراطورية الرومانية.
- مسجد ابن طولون: أقدم معلم إسلامي
بناه أحمد بن طولون عام 876 م، يعد مسجد ابن طولون أقدم معلم إسلامي عامل في القاهرة. يعتبر هذا المسجد آخر بقايا القطاي، التي تفوقت على الفسطاط وغيرها من المستوطنات المبكرة.
يمثل المسجد التحولات الديناميكية في السلطة، حيث أفسح العباسيون الطريق للفاطميين، الذين أسسوا القاهرة عاصمة لمصر في عام 969 م.
- جامع الأزهر: مركز العلوم الإسلامية
أسس الفاطميون جامع الأزهر في عام 970 م، ولم يخدم كمبنى ديني فحسب، بل أصبح مركزًا بارزًا للتعلم الإسلامي. يضم المسجد واحدة من أقدم الجامعات في العالم، مما يكشف الإرث الفكري والديني للقاهرة.
تحت حكم الفاطميين، وهي فئة شيعية مسلمة، لعب الأزهر دورًا محوريًا في نشر الإسلام، على الرغم من تحول مصر إلى دولة ذات أغلبية سنية تحت حكم صلاح الدين في القرن الثاني عشر. ترتبط الأهمية التاريخية للأزهر أيضًا بأحداث مثل غزو نابليون عام 1798، حيث دنست القوات الفرنسية المسجد أثناء الانتفاضة.
أقرا أيضا..مصر تكشف عن ثكنات عسكرية لرمسيس الثاني
- القلعة: حصن القاهرة في العصور الوسطى
بناها صلاح الدين أثناء الحروب الصليبية في القرن الثاني عشر، وكانت بمثابة الحصن الرئيسي للقاهرة. وقد استضافت حكام مصر لقرون، مما عزز أهميتها في الدفاع عن المدينة وحكمها. يتزامن بناء القلعة مع صعود صلاح الدين كقائد عسكري أسطوري ومؤسس سلالة الأيوبيين.
القلعة هي أيضًا موقع لمكائد سياسية كبيرة. على سبيل المثال، كانت القلعة قاعدة القوة لمحمد علي باشا، الذي أمر بمذبحة زعماء المماليك في عام 1811، إيذانًا بنهاية حكمهم في مصر. واليوم، تستضيف القلعة مسجد المرمر، الذي بناه محمد علي باشا كرمز لسلالته.
- مسجد ومدرسة السلطان حسن: أعجوبة معمارية
يعد مسجد ومدرسة السلطان حسن، الذي بدأ بناؤه في عام 1356، أحد أكثر الإنجازات المعمارية إثارة للإعجاب في القاهرة. بدأ السلطان حسن، الذي شاب حكمه المؤامرات السياسية والاغتيالات، بناء المسجد. يمثل التصميم الفخم للمسجد ذروة العمارة المملوكية، وهي فترة اتسمت بعدم الاستقرار السياسي ولكن أيضًا بالازدهار الثقافي.
مقابل مسجد السلطان حسن، يقع مسجد الرفاعي، الذي يضم مقابر أفراد العائلة المالكة المصرية وآخر شاه لإيران، مما يخلق تباينًا بصريًا وتاريخيًا.
- بوابات مدينة القاهرة: حراس المدينة في العصور الوسطى
تم بناء بوابات مدينة القاهرة في العصور الوسطى – باب الفتوح وباب النصر وباب زويلة – لحماية المدينة. أصبح باب زويلة، بمآذنه التوأم، رمزًا للسقوط النهائي للمماليك عندما شنقت القوات العثمانية طومان بيك، آخر حاكم مملوكي، في عام 1517.
- خان الخليلي: سوق القاهرة التاريخي
يظل سوق خان الخليلي الصاخب، الذي تأسس في عهد المماليك، بمثابة تذكير بدور القاهرة كمركز تجاري رئيسي. فقد تعاون المماليك مع التجار الفينيسيين، وسيطروا على التجارة بين الشرق والغرب عبر البحر الأبيض المتوسط، وهو ما كان بالغ الأهمية لثروتهم وقوتهم.
- المتحف المصري: مستودع للتاريخ القديم
افتتح المتحف المصري في عام 1902، ويضم واحدة من أهم مجموعات التحف المصرية القديمة في العالم. وكان تأسيسه جزءًا من جهود مصر، بقيادة محمد علي باشا، للحفاظ على آثارها.
اليوم، لا يزال المتحف يلعب دورًا أساسيًا، حتى مع نقل القطع الأثرية إلى المتحف المصري الكبير الجديد، المقرر افتتاحه في عام 2024.
- قصر البارون: التأثير الأوروبي في القاهرة
يعكس قصر البارون إمبان في مصر الجديدة التأثير الأوروبي في القاهرة خلال الحقبة الاستعمارية. بنى الصناعي البلجيكي البارون إدوارد إمبان القصر وصمم حي مصر الجديدة كـ “مدينة حدائق” للنخب الاستعمارية. يمثل هذا النصب مزيجًا من العمارة الأوروبية والمصرية، وهو إرث من الماضي الاستعماري للقاهرة.
- برج القاهرة: رمز لمصر الحديثة
يعتبر برج القاهرة منارة للحداثة وسط أفق المدينة القديم. تم تشييد البرج في عام 1961، وكان مشروعًا رؤيويًا بدأه الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي سعى إلى رمزية تقدم مصر وتحديثها.
استخدم ناصر، وهو شخصية محورية في تاريخ مصر في منتصف القرن العشرين، بناء برج القاهرة لإظهار التزامه بالتحديث ومناوراته الاستراتيجية خلال الحرب الباردة. وبدلاً من استخدام الأموال المخصصة للأغراض العسكرية، حوّل ناصر الموارد لبناء البرج، وبالتالي أظهر أولويته للبنية التحتية والمعالم العامة على العسكرة.
يشير أنتوني ساتين، وهو صحفي وكاتب سفر مشهور، إلى أن “هذا القرار أكد على دور ناصر كزعيم يقدر الهوية الوطنية والمعالم الثقافية كأدوات للاستراتيجية السياسية داخل حركة عدم الانحياز”.
- مسلة رمسيس الثاني، ميدان التحرير: ربط الماضي بالحاضر
في قلب القاهرة الحديثة يقع ميدان التحرير، وهو موقع محوري تاريخيًا ومعاصرًا. في عام 2020، نجح تركيب مسلة رمسيس الثاني في ميدان التحرير في ربط الماضي القديم بالحاضر النابض بالحياة. يعود تاريخ هذه المسلة إلى عهد رمسيس الثاني، المعروف أيضًا باسم رمسيس العظيم، وقد تم نقلها من موقع صان الحجر الأثري لترمز إلى إرث مصر الدائم وتطورها المستمر.
تعمل مسلة رمسيس الثاني كحلقة وصل ملموسة بالتراث الفرعوني في مصر، حيث تدمج عظمة الحضارة القديمة في سياق النضالات والانتصارات المعاصرة. ومن خلال وضع هذا النصب التذكاري القديم في ميدان التحرير، ابتكر المسؤولون رمزًا قويًا يكرم العمق التاريخي لمصر مع الاعتراف بروايتها المستمرة للتحرير والتغيير.
يؤكد المهندس والمؤرخ نزار الصياد أن “المسلة في ميدان التحرير ليست مجرد نصب تذكاري؛ بل إنها تمثل مرونة واستمرارية الهوية المصرية عبر آلاف السنين”. ولا يعزز هذا التركيب القيمة الجمالية والتاريخية للميدان فحسب، بل يعزز أيضًا سمعة القاهرة كمدينة تتعايش فيها عصور مختلفة.