رغم دعوات إيران وفصائلها.. لماذا رفض برلمان العراق انسحاب القوات الأمريكية؟

في ظل تصاعد الجدل بشأن مستقبل القوات الأمريكية في العراق، خرجت توصية برلمانية لافتة تعزز بقاء قوات التحالف الدولي، على الرغم من الدعوات المتكررة للانسحاب، خصوصًا من الفصائل المسلحة الموالية لإيران.

هذا التحوّل في الموقف من الوجود العسكري الأمريكي في العراق يعكس تداخلاً مركبًا بين الأمن والسياسة، ويعيد فتح ملف شائك ظل معلقاً منذ سنوات.

 العراق بحاجة إلى الغطاء الجوي الأمريكي

أعادت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي تسليط الضوء على أهمية بقاء قوات التحالف الدولي، التي تقودها الولايات المتحدة، خصوصًا لتأمين الغطاء الجوي في ظل تصاعد التهديدات الأمنية إقليميًا.

وقال النائب عن اللجنة، ياسر اسكندر وتوت، في تصريحات صحفية، إن القدرات الجوية العراقية لا تكفي لمراقبة وتأمين الأجواء المشتركة مع دول الجوار، ما يجعل من دعم التحالف الدولي “ضرورة واقعية”، حسب تعبيره.

وأشار وتوت إلى أن الحكومة أبرمت عقودًا لشراء 14 طائرة جديدة، لكنها لا تفي بحاجة البلاد، داعيًا إلى تخصيص موازنة إضافية لدعم القوة الجوية ورفدها بكفاءات جديدة، مشددًا على أن التحالف يمتلك أسطولًا جويًا حيويًا يعزز الاستقرار في المناطق الحدودية.

وزير دفاع العراق يؤكد لا انسحاب أمريكي وشيك

التوصية البرلمانية جاءت بعد تصريحات مهمة لوزير الدفاع العراقي، ثابت العباسي، أكد فيها أن “بقاء قوات التحالف الدولي في سوريا أمر مطلوب”، نظرًا لأن أمن العراق “جزء لا يتجزأ من أمن سوريا”.

وأضاف في مقابلة مع قناة “العربية” أن التنسيق مع التحالف مستمر، وأن الحكومة لم تتلقَّ أي إشعار رسمي من الجانب الأمريكي بشأن تغيير مواعيد الانسحاب أو طلب زيادة عديد القوات.

وتابع العباسي قائلاً إن بعض المواقع العسكرية قد يتم إخلاؤها في نهاية سبتمبر المقبل، مع انتقال بعض الوحدات إلى إقليم كردستان، مؤكدًا عدم وجود أي مؤشرات على تغييرات في الموقف الأمريكي، بما في ذلك من إدارة الرئيس دونالد ترامب.

تخوف من الفراغ الأمني على الحدود السورية

وفق تقارير تعكس هذه المواقف مخاوف عراقية متنامية من أن يؤدي انسحاب القوات الأمريكية في العراق، أو تقليص أعداد القوات، إلى فراغ أمني يعيد سيناريو 2014 حين اجتاح تنظيم داعش مساحات واسعة من البلاد.

وكان المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم باراك، قد صرح قبل أيام بأن بلاده بدأت بتقليص وجودها العسكري في سوريا، وأنها تعتزم الإبقاء على قاعدة واحدة فقط هناك.

كما أعلن البنتاجون في أبريل الماضي عن خفض عدد الجنود إلى أقل من ألف، في خطوة لإعادة انتشار مشروطة لا تؤثر على الأهداف الأمنية.

في العراق، تتخوف السلطات من تسلل عناصر التنظيم عبر الحدود المشتركة، رغم تأكيد وزارة الداخلية وقيادة قوات الحدود أنها نجحت في تأمين الشريط الحدودي مع سوريا. لكن هذا النجاح، بحسب مسؤولين أمنيين، لا يلغي الحاجة إلى الدعم الجوي الذي توفره القوات الأمريكية في العراق وحلفاؤها.

الفصائل الموالية لإيران تلوّح بالتصعيد

في الجهة المقابلة، جددت الفصائل الشيعية المرتبطة بإيران مطالبها بإنهاء الوجود الأمريكي. وقال الحاج أبو علي العسكري، المسؤول الأمني في “المقاومة الإسلامية – كتائب حزب الله”، في تغريدة على منصة “أكس”، إنهم “ينتظرون انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي المجرم من العراق”، مشيرًا إلى ضرورة الخروج من العمليات المشتركة، وقواعد مثل “عين الأسد” و”معسكر فيكتوريا”، بالإضافة إلى إخراج الطائرات الأمريكية من سماء البلاد.

وهذه ليست المرة الأولى التي تُطلق فيها تلك الفصائل تهديدات ضمنية، لكنها تتزامن هذه المرة مع نقاشات جادة تدور في أروقة البرلمان والحكومة حول إعادة صياغة العلاقة الأمنية مع واشنطن.

انقسام سياسي حول وجود القوات الأمريكية في العراق

في خضم هذه التجاذبات، تبدو الكتل السياسية السنية والكردية أكثر انفتاحًا تجاه بقاء القوات الأمريكية، وتعتبر أن هذا الوجود ضروري لتحقيق التوازن مع النفوذ الإيراني المتزايد، إضافة إلى دعم جهود استقرار البلاد، خصوصًا في ظل الاضطرابات الإقليمية المستمرة.

وتتفق هذه القوى مع الطرح الداعي إلى تحويل مهمة القوات الأمريكية من دور قتالي إلى تعاون أمني تقني واستخباري، وهي النقطة التي تُناقَش ضمن أعمال “اللجنة العسكرية العليا المشتركة” بين بغداد وواشنطن، التي شُكّلت عام 2023 بهدف وضع تصور لمستقبل العلاقة بين البلدين.

توزيع القوات الأمريكية في العراق

يتوزع الانتشار الأمريكي الحالي على عدد من القواعد العسكرية أبرزها “عين الأسد” في محافظة الأنبار، و”حرير” في إقليم كردستان.

ويقدَّر عدد الجنود الأمريكيين في العراق بنحو 2500 عنصر، يعملون ضمن التحالف الدولي لمحاربة داعش، ويقدمون دعمًا لوجستيًا واستخباريًا للقوات العراقية.

ورغم تصويت البرلمان العراقي مطلع 2020 على قرار يُلزم الحكومة بوضع جدول زمني لإنهاء الوجود الأجنبي، على خلفية اغتيال الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، إلا أن الولايات المتحدة تواصل التأكيد على أن أي انسحاب يجب أن يتم بالتنسيق الكامل مع الحكومة العراقية ووفق آلية لا تسمح بعودة التهديدات الإرهابية.

اقرأ أيضًا: استشهاد قائد كتائب المجاهدين في غزة بغارة إسرائيلية.. من هو أسعد أبو شريعة؟

زر الذهاب إلى الأعلى