سوريا.. حكومة انتقالية بقيادة هيئة تحرير الشام | وعود بالاعتدال والتشكيك مستمر
القاهرة (خاص عن مصر)- أثار سقوط نظام بشار الأسد مشاعر مختلطة في مختلف أنحاء سوريا، ففي حين احتفل كثيرون بالحرية المكتشفة حديثاً، فإن أهوال الماضي ما زالت باقية، ويتجلى هذا في إطلاق سراح المعتقلين من سجن صيدنايا.
وفقا لتحليل مجلة ذي إيكونوميست، خرج كثيرون من المعتقلين كظلال لذواتهم السابقة، حيث تشهد أجسادهم الهزيلة ونظراتهم الشاردة على سنوات من العذاب، وقد اجتمعت بعض الأسر مع أحبائها المفقودين، ولكن بالنسبة لآخرين، تعمق اليأس مع انتشار الشائعات عن سجناء محاصرين في زنازين مخفية تحت الأرض.
ورغم أن هذه الشائعات تم فضحها في نهاية المطاف، إلا أنها عكست مدى وحشية الأسد، وهو نظام قمعي إلى الحد الذي جعل مثل هذه القصص تبدو معقولة، لقد ترك حكم الأسد الذي دام عقوداً من الزمان علامة لا تمحى على الأمة، علامة الخوف واليأس والخسارة.
سقوط الأسد وعصر جديد
في الثامن من ديسمبر 2024، شهدت سوريا لحظة محورية، نهاية حكم عائلة الأسد الذي دام 53 عاما، فقد بلغ هجوم المعارضة، بقيادة جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية، ذروته بفراره إلى روسيا.
كانت هذه الحملة السريعة التي استمرت 13 يوما نتيجة لسنوات من التدهور داخل نظام الأسد، والتي تفاقمت بسبب انخفاض الروح المعنوية بين الجيش السوري وسحب الدعم من الداعمين الأجانب مثل إيران وروسيا وحزب الله.
وفي دمشق، اندلعت النشوة، ونهب المواطنون القصر الرئاسي، واكتشفوا رفات شخصية لعائلة الأسد، وأعيد فتح المتاجر، وعاد اللاجئون، وبدا أن الحياة عادت إلى طبيعتها بتفاؤل حذر، ومع ذلك، ظل الانقسام يلوح في الأفق فوق الأمة.
اقرأ أيضا.. أخبار سوريا.. 1.1 مليون نازح وسط هجوم المتمردين السوريين والقتال بين الفصائل
تحديات الوحدة والحكم
على الرغم من النجاح العسكري الذي حققته هيئة تحرير الشام، فإن توحيد سوريا وحكمها يمثل تحديات كبيرة، ما تزال البلاد مجزأة، حيث تتنافس فصائل مختلفة – مثل الجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية – على النفوذ.
أثار سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق مخاوف بسبب أسلوب الحكم الاستبدادي في محافظة إدلب، حيث أظهرت في السابق كفاءة ولكن القليل من التسامح مع المعارضة.
حاول زعيم المجموعة، أحمد الشرع (المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني)، إظهار صورة أكثر اعتدالًا، وتعهد باحترام حقوق الأقليات ومنع التدخل في لباس المرأة،ومع ذلك، لا يزال التشكك قائمًا، وخاصة بين الأقليات الدينية والعرقية مثل العلويين والأكراد.
انتقال هش
أعلنت هيئة تحرير الشام حكومة انتقالية بقيادة محمد البشير، مكلفة بالحفاظ على النظام حتى مارس 2025، ومع ذلك، تظل القوة الحقيقية في أيدي الشرع وفصيله، الذي يحاول دمج بقايا بيروقراطية النظام القديم من أجل الاستمرارية.
لقد شهد هذا النهج البراجماتي مشاهد سريالية، مثل الموالين السابقين للأسد الذين يخدمون الآن تحت توجيهات هيئة تحرير الشام.
إن إعادة بناء سوريا مهمة ضخمة، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 87٪ منذ عام 2011، وتقدر تكاليف إعادة الإعمار بمئات المليارات من الدولارات.
العقوبات الغربية التي فرضت أثناء حكم الأسد تبدو الآن قديمة ولكنها لا تزال قائمة، ويتوخى رجال الأعمال السوريون في الخارج الحذر، في انتظار معرفة ما إذا كانت هيئة تحرير الشام ستفكك المحسوبية وضوابط رأس المال التي خنقت الاقتصاد.
لمحة من الأمل وسط حالة من عدم اليقين
في حين يحمل السوريون الأمل، فإنهم يظلون حذرين بشأن المسار الذي ينتظرهم، وتكثر المقارنات مع التحولات التي أعقبت النظام في العراق أو أفغانستان أو ليبيا، لكن الانتفاضة الشعبية السورية ضد نظام مدعوم من الخارج تميزها عن غيرها.
يعتقد المتفائلون أن الدروس المريرة للحرب الأهلية قد تدفع الفصائل نحو التسوية، رغم أن هذا لا يزال غير مؤكد.
في الوقت الحالي، يتمسك السوريون بالأمل، وهو شعور نادر بعد سنوات من الصراع. إن سقوط آل الأسد ــ السلالة التي بدت ذات يوم أبدية ــ يشير إلى نهاية حقبة وبداية مستقبل غير مؤكد، وما إذا كانت هيئة تحرير الشام قادرة على تحقيق الاستقرار والشمول والتقدم سوف يحدد ما إذا كان هذا الأمل سيستمر أم يتلاشى.