سيناريو غزة يتكرر بالضفة.. هل بدأت إسرائيل تنفيذ خطة التهجير الكبرى؟

في مشهد يعيد إلى الأذهان بدايات الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، تتسارع وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية، وتحديدًا في مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين.
غير أن ما يجري على الأرض لم يعد يُفسر فقط بذرائع أمنية، بل بات يُقرأ على نطاق واسع كجزء من خطة ترحيل كبرى تستهدف تغيير الواقع الديمغرافي في الضفة الغربية، تمهيدًا لضمها تدريجيًا.
عمليات هدم ممنهجة وتفريغ للسكان
خلال الأشهر الماضية، توسّعت عمليات الهدم التي تنفذها القوات الإسرائيلية داخل مخيمات اللاجئين شمال الضفة.
بيانات حقوقية تحدثت عن تدمير أكثر من 100 منزل في مخيمي طولكرم ونور شمس فقط، إلى جانب مئات المباني الأخرى والبنى التحتية. كل ذلك تحت مبرر “الضرورات العملياتية” التي يكررها الجيش الإسرائيلي في بياناته، دون تقديم توضيحات حقيقية حول البدائل التي تم الحديث عنها.
ووفقًا لمركز “بتسيلم” الإسرائيلي لحقوق الإنسان، فإن نحو 40 ألف فلسطيني نزحوا منذ بداية العام من مخيمات الضفة، في مشهد لا يبتعد كثيرًا عن ما شهدته غزة من تدمير واسع النطاق للبنى التحتية وتهجير السكان.
من الأمن إلى السيطرة الكاملة؟
الجيش الإسرائيلي يبرر هذه التحركات بأنها تهدف إلى تسهيل تحرك القوات وملاحقة المسلحين، مؤكدًا التزامه بالقانون الدولي. إلا أن ما يجري فعليًا على الأرض يُظهر اعتمادًا لسياسات التجريف، والهدم، وتفكيك الحياة المدنية في المخيمات، بطريقة تعكس نمطًا مقصودًا لتحويل هذه المناطق إلى ساحات عسكرية خالية من المدنيين.
هذه الإجراءات، بحسب مراقبين، لم تعد تُصنف كعمليات عسكرية موضعية، بل تدخل في إطار أوسع يسعى إلى تغيير الواقع الميداني وفرض أمر واقع جديد على الأرض، خصوصًا في ظل ضعف الرد الدولي واستمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي.
تحذيرات من تكرار تجربة غزة في الضفة
منظمات حقوقية وخبراء عسكريون حذروا من أن إسرائيل بدأت فعليًا بنقل تكتيكاتها من غزة إلى الضفة، باستخدام الطائرات المسيّرة والمروحيات والدبابات الثقيلة، للمرة الأولى منذ سنوات. وتُنفذ العمليات ضمن نمط قتالي يهدف إلى تفريغ المخيمات من سكانها وتدمير بناها التحتية، في خطوات تمهد لمخطط ضم فعلي دون إعلان رسمي.
في الوقت ذاته، تتصاعد دعوات بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية المتطرفين إلى ضرورة ضم الضفة الغربية بشكل كامل، باعتبارها “أرضًا توراتية”، مع تزايد الأصوات الداعية إلى إخلاء المخيمات الفلسطينية بالقوة.
أوضاع إنسانية كارثية وصمت دولي
مع تدمير البنية التحتية وتكرار مشاهد النزوح، تعيش آلاف الأسر الفلسطينية أوضاعًا مأساوية في مدارس ومساجد ومنازل مكدّسة. هذا النزوح المفاجئ وغير المنظم وضع ضغطًا هائلًا على المجتمع المحلي، وزاد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية في ظل غياب خطة إغاثية شاملة.
ورغم الانتقادات التي صدرت من بعض العواصم الغربية والمنظمات الحقوقية، فإن التحرك الدولي بقي خجولًا، دون أي إجراءات ملموسة تضع حدًا للانتهاكات أو تُلزم إسرائيل بوقف سياستها على الأرض.
خطة ترحيل أم وقائع ميدانية؟
وفق مراقبون فإن ما يحدث اليوم في الضفة الغربية يثير شكوكًا قوية حول وجود خطة إسرائيلية غير معلنة تهدف إلى ترحيل جماعي للفلسطينيين من مناطقهم، باستخدام الأدوات العسكرية، تحت غطاء محاربة “الإرهاب”.
وفي ظل تصاعد الدعم السياسي داخل إسرائيل لهذا النهج، وتراجع الضغوط الدولية، يبدو أن الضفة تتجه نحو مرحلة جديدة من التفريغ السكاني وفرض الوقائع الجيوسياسية.
ضم صامت وتغير ديمغرافي
بينما تنشغل الدبلوماسية الدولية بمحاولات تهدئة الأوضاع في غزة، تواصل إسرائيل تنفيذ أجندة ميدانية صامتة في الضفة، عنوانها التهجير، وتدمير المخيمات، واستبدالها ببنية أمنية كاملة.
الخطير أن ما يجري يُعزز واقعًا جديدًا قد يصعب تغييره لاحقًا، في ظل انقسام فلسطيني عميق، وتراجع أولويات القضية الفلسطينية على الساحة الدولية.