صدام غير مسبوق بين حكومة الشرق وبعثة الأمم المتحدة.. إلى أين تتجه ليبيا؟

تشهد العلاقة بين بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وحكومة الشرق الليبي توترًا غير مسبوق، بعد أن طالبت الحكومة المكلَّفة من مجلس النواب، برئاسة أسامة حماد، البعثة الأممية بمغادرة البلاد “فورًا”، في خطوة تعكس تصعيدًا خطيرًا في الأزمة السياسية المتواصلة منذ أكثر من عقد.

اتهامات لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا بتغذية الانقسام

اتهمت حكومة الشرق البعثة الأممية بعدم الحياد، والانحياز إلى السلطات في طرابلس، مشيرة إلى تغاضيها عن “تجاوزات” الحكومة هناك، ومساهمتها في تعميق الانقسام الوطني، بدلًا من ردم الفجوة بين الفرقاء.

واعتبرت الحكومة أن ما وصفته بـ”الممارسات السياسية للبعثة” تمثل تدخلًا مباشرًا في صلاحيات البرلمان المنتخب، وتعديًا على السيادة الوطنية، وذلك عقب الإحاطة التي قدمتها المبعوثة الأممية هانا تيتيه أمام مجلس الأمن.

سر الحلاف بين بعثة الأمم المتحدة وحكومة شرق ليبيا

الانتقاد الأبرز في إحاطة البعثة الأممية تمثل في رفضها إقرار البرلمان ميزانية قدرها 69 مليار دينار ليبي لصالح صندوق التنمية وإعادة الإعمار، الذي يشرف عليه بلقاسم حفتر، نجل قائد الجيش الوطني خليفة حفتر.

ورأت البعثة أن هذه الخطوة “ستقوض قدرة المصرف المركزي على ضبط التضخم وحماية قيمة الدينار الليبي”، ما اعتبرته حكومة الشرق تدخلاً مرفوضًا في الشأن الداخلي.

قرارات حماد تقيد حركة بعثة الأمم المتحدة

في تطور لافت، أصدر رئيس حكومة الشرق أسامة حماد قرارًا يمنع تحرك البعثات الدولية، بما في ذلك موظفي الأمم المتحدة، داخل الأراضي الليبية الواقعة تحت سلطته، دون الحصول على موافقة مسبقة من وزارة الخارجية.

وبذلك أصبحت حركة البعثة الأممية مقيّدة في مناطق شرق ووسط وجنوب ليبيا، في خطوة وصفت بأنها “أقرب إلى الطرد الدبلوماسي”.

خارطة طريق أممية في مهب الريح

تأتي هذه التطورات في وقت كانت تستعد فيه بعثة الأمم المتحدة لإطلاق مرحلة سياسية جديدة تهدف إلى توحيد المؤسسات وإجراء انتخابات عامة.

وكانت البعثة قد دعت الليبيين للمشاركة في استطلاع رأي إلكتروني، يشمل أربعة خيارات اقترحتها اللجنة الاستشارية الليبية، بهدف التوصل إلى تسوية وطنية شاملة.

إلا أن التصعيد من طرف حكومة الشرق يجعل من الصعب تنفيذ هذه الخطة، بل ويهدد بفشلها حتى قبل انطلاقها، خاصة في ظل الانقسام الحاد بين سلطات الشرق والغرب، والرفض المتبادل لأي مبادرات من الطرف الآخر.

اقتحام مقرات البعثة الأممية في طرابلس

الغضب من أداء بعثة الأمم المتحدة لم يقتصر على شرق ليبيا، إذ شهدت العاصمة طرابلس مؤخرًا اقتحامًا لمقر البعثة من قبل محتجين غاضبين من فشلها في إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات، واتهامها بـ”إعادة تدوير نفس الحلول العقيمة”، بحسب وصف المتظاهرين.

هذا السخط الشعبي يزيد من الضغوط على البعثة الأممية، التي تجد نفسها في موقف صعب بين الانقسام السياسي من جهة، والرفض الشعبي من جهة أخرى.

البعثة الأممية تدعو للتوافق

المبعوثة الأممية هانا تيتيه أعربت عن قلقها من تداعيات الأزمة، محذرة من التسرع في فرض خارطة طريق سياسية قد تفتقر للشرعية والاستدامة.

وأكدت في مقابلة صحفية أن أي خطة يجب أن تُبنى على توافق وطني واسع يشمل كل أطياف المجتمع الليبي، وليس فقط القادة السياسيين والعسكريين.

كما شدَّدت على ضرورة إطلاق مشاورات واسعة تشمل مختلف المناطق والانتماءات والمكونات الاجتماعية، لتحديد الأولويات وبناء مسار انتخابي متفق عليه.

 ما الذي ينتظر ليبيا؟

في ظل هذا الصدام العلني بين بعثة الأمم المتحدة وحكومة الشرق، تبدو خارطة الطريق الأممية في وضع حرج.

وإذا استمرت هذه القطيعة، فإن فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة ستتضاءل، وستدخل ليبيا مرحلة جديدة من الجمود السياسي والتدهور المؤسسي.

ويرى مراقبون أن البلاد مهددة بالمزيد من الانقسام، خاصة إذا قررت بعثة الأمم المتحدة مواصلة تحركاتها دون التنسيق مع حكومة الشرق، ما قد يجرّها إلى صدام مباشر مع السلطات الفاعلة على الأرض.

اقرأ أيضًا: “اعقدوا الصفقة الآن”.. هل تنجح ضغوط ترامب في إنهاء حرب إسرائيل وحماس في غزة؟

زر الذهاب إلى الأعلى