صفقة القرن بين سوريا وإسرائيل.. هل يكون تقسيم الجولان قربان التطبيع؟

في الوقت الذي تنفي فيه سوريا رسميًا وجود مفاوضات مع إسرائيل، تتصاعد التسريبات عن سيناريوهات غير مسبوقة لتقسيم هضبة الجولان كمدخل محتمل لتطبيع العلاقات بين الطرفين. فهل نحن أمام ملامح صفقة إقليمية جديدة تُعيد رسم خرائط النفوذ؟
وأعلن مصدر سوري رسمي، أن الحديث عن اتفاق سلام مع إسرائيل لا يزال “سابقاً لأوانه”، مشدداً على ضرورة التزام تل أبيب باتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، والانسحاب الكامل من الأراضي السورية المحتلة.
رغم هذا الموقف المعلن، لم تُوقف دمشق التساؤلات المتصاعدة حول طبيعة الاتصالات الجارية مع الجانب الإسرائيلي، خاصة في ظل ورود أنباء من وسائل إعلام عبرية تتحدث عن “ترتيبات غير معلنة” تشمل الجولان كجزء أساسي من مسار التطبيع.
سيناريوهات صفقة الجولان بين سوريا وإسرائيل
قناة “I24” الإسرائيلية نقلت عن مصدر وصفته بالمطلع أن الاتفاق بين سوريا وإسرائيل “لن يكون مجانياً”، مؤكدة أن دمشق تطالب بالحصول على ما لا يقل عن ثلث مساحة هضبة الجولان المحتلة في أي تفاهم مستقبلي.
وطرحت التسريبات سيناريوهين رئيسيين السيناريو الأول تتسلم سوريا ثلث الهضبة، تحتفظ إسرائيل بثلثها، ويتم تأجير الثلث المتبقي لتل أبيب لمدة 25 عاماً.
السيناريو الثاني تحتفظ إسرائيل بثلثي الهضبة، وتُسلّم دمشق الثلث المتبقي، مع احتمال تأجير هذا الجزء لإسرائيل لاحقاً.
هذه الطروحات تعيد إلى الأذهان تجارب سابقة في ملفات مشابهة، مثل الباقورة والغمر بين الأردن وإسرائيل، أو غزة مقابل السلام مع السلطة الفلسطينية.
هل تكون الجولان حديقة السلام
بحسب ذات المصدر الإسرائيلي، فإن دمشق ترى أن تحويل الجولان إلى “حديقة للسلام” يمثل هدفاً استراتيجياً وطموحاً رمزياً، يمكن أن يشكّل حجر الأساس لعلاقة جديدة مع تل أبيب.
لكن هذا الطموح ليس مجرد رغبة رومانسية، بل يُقرأ في سياق حاجة السلطة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقاً)، إلى إنجاز سيادي ملموس يُقدَّم للداخل السوري كمكسب وطني.
حاجة الشرع لتمرير الاتفاق مع إسرائيل
بحسب وسائل إعلام، أوضح مصدر مقرّب من الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع أن استرجاع أجزاء من الجولان لا يُعد مجرد مطلب تفاوضي، بل يمثل عنصراً حاسماً في كسب التأييد الشعبي لأي اتفاق مع إسرائيل.
وقال المصدر: “عودة الجولان ـ ولو جزئياً ـ إلى السيادة السورية تتجاوز رمزية الأرض، إذ تمثل غطاءً ضرورياً لأي مسار تطبيعي قد يُثير جدلاً واسعاً في الداخل”.
وأضاف: “أي تطبيع دون مكسب واضح في ملف الجولان سيُنظر إليه كتنازل مجاني، ولن يجد له حاضنة شعبية، لا سيما في ظل التراكمات التاريخية المتعلقة بالاحتلال والمقاومة”.
موقف تل أبيب من الاتفاق مع سوريا
على الجانب الآخر، تُبدي إسرائيل بعض الإشارات إلى رغبة في فتح مسارات دبلوماسية مع دمشق، خاصة في ظل الحديث عن تسويات إقليمية شاملة، لكن هذه الانفتاحات تصطدم بجدار صلب يتمثل في الموقف من الجولان.
ففي مؤتمر صحفي عُقد يوم 30 يونيو، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن إسرائيل منفتحة على إقامة علاقات دبلوماسية مع سوريا ولبنان، إلا أنه شدد بوضوح: “لن نتفاوض على الجولان، الهضبة جزء لا يتجزأ من سيادتنا”.
ويستند هذا الموقف إلى اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان عام 2019، رغم أن المجتمع الدولي لا يزال يعتبرها أرضاً سورية محتلة.
صفقة القرن بين سوريا وإسرائيل
يتقاطع الحديث عن تقسيم الجولان مع موجة تسويات إقليمية تشهدها المنطقة، وسط أدوار نشطة لعدد من الوسطاء الإقليميين، بما في ذلك روسيا وتركيا، وربما بعض الأطراف الخليجية، في محاولة لرسم ملامح شرق أوسط جديد بعد سنوات من الصراع.
ويرى مراقبون أن طرح تقسيم الجولان قد يكون جزءًا من “صفقة أكبر” تشمل تبادل اعترافات، وترسيم نفوذ، وربما حتى رعاية دولية تضمن التنفيذ المرحلي لهذه الترتيبات.
لكنّ هذه الرؤية تصطدم بحساسيات داخلية في الجانبين: فالجولان ليس مجرد مساحة جغرافية، بل عنوان للكرامة والسيادة لدى السوريين، كما أنه يمثل قيمة أمنية واستراتيجية كبرى لدى إسرائيل، ما يجعل أي تفاوض حوله محفوفاً بمخاطر كبرى للطرفين.
اقرأ أيضًا: سوريا تُصارع الموت رغم سقوط الأسد.. توثيق 73 مجزرة و2818 قتيلًا خلال 6 أشهر