صفقة تاريخية.. السعودية تقتنص حصة بمئات الملايين في ناطحة سحاب فاخرة بقلب مانهاتن

في خطوة جريئة تُشير إلى انتعاش سوق العقارات التجارية في مدينة نيويورك، استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصة الثلثين في موقع تطوير عقاري رئيسي في مانهاتن، إلى جانب شركة ريليتد.

وتهدف الشراكة إلى بناء ناطحة سحاب شاهقة بارتفاع 1200 قدم على بُعد مبنى واحد فقط من سنترال بارك، مما يُمثل أحد أبرز المشاريع العقارية المدعومة من جهات أجنبية في المدينة منذ التباطؤ الاقتصادي الذي شهدته فترة الجائحة.

ووفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، يُبرز هذا الاستثمار الضخم طموحات المملكة العربية السعودية المتنامية في مجال العقارات العالمية، ويُبرز الثقة الدولية المتجددة في تعافي نيويورك كمركز تجاري وثقافي.

من متعدد الاستخدامات إلى مكاتب فاخرة

وكان من المقرر في البداية أن يكون المشروع مجمعا متعدد الاستخدامات يضم وحدات سكنية ومتاجر تجزئة ومساحات فندقية، إلا أن المطورين غيّروا توجههم مؤخرا، إذ تفضل شركة ريليتد الآن بناء برج مكاتب لتلبية الطلب المتزايد على المساحات التجارية المتميزة في وسط مانهاتن.

ووفقا لمصادر مقربة من المشروع، من المتوقع أن تتجاوز التكلفة الإجمالية للتطوير مليار دولار. وقد خصص صندوق الاستثمارات العامة بالفعل حوالي 200 مليون دولار للمشروع، ولا تزال مساهمته النهائية قيد المناقشة. وقد تم الاستحواذ على الموقع نفسه في عام 2024 مقابل أكثر من 600 مليون دولار.

ارتفاع الاستثمار الأجنبي يعكس عودة مدينة نيويورك

ويأتي انخراط صندوق الاستثمارات العامة في إطار تنامي الاهتمام الأجنبي بقطاع العقارات في نيويورك.

فقد ارتفعت أحجام الاستثمار في العقارات التجارية في مانهاتن بشكل كبير في أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025، حيث بلغت قيمة الصفقات التي استثمر فيها المستثمرون الأجانب أكثر من 2.1 مليار دولار – أي خمسة أضعاف قيمة الصفقات التي استثمروها في نفس الفترة التي استمرت ستة أشهر قبل عامين فقط، وفقًا لبيانات MSCI.

قال روي مارش، الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار العقاري “إيستديل سيكيورِد”، الذي أشرف على 12 مليار دولار من صفقات العقارات في نيويورك في عام 2025 وحده: “شهدنا هذا العام عودة رأس المال الأجنبي للعب دور رئيسي”. وأضاف: “تضم كل واحدة منها تقريبا مستوى معينا من رأس المال الأجنبي”.

كما انتعش نشاط تأجير المكاتب في مانهاتن، متجاوزا مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19 في بعض الفئات. ومع عودة المزيد من المهنيين إلى المكاتب، ووصول السياحة في المدينة إلى مستويات قياسية، فإن الظروف مهيأة لنهضة السوق.

دفعة عالمية استراتيجية من صندوق الاستثمارات العامة

ويندرج استثمار الصندوق السعودي في مانهاتن ضمن استراتيجية أوسع لتنويع محفظته العقارية خارج حدود المملكة. وبينما ركز الصندوق تاريخيا على مشاريع التطوير المحلية الضخمة مثل نيوم، فقد أجرى مؤخرا العديد من عمليات الاستحواذ الدولية الكبرى.

ففي عام ٢٠٢٣، استحوذ الصندوق على حصة ٤٩٪ في سلسلة فنادق روكو فورتيه الفاخرة، بعد استثمار بقيمة ٩٠٠ مليون دولار في شركة أمان الفندقية عام ٢٠٢٢، وحصة ٤٠٪ في سيلفريدجز، مجموعة المتاجر الكبرى البريطانية الشهيرة، عام ٢٠٢٤.

ويستغل صندوق الاستثمارات العامة، الذي يدير أصولا تُقدر قيمتها بنحو تريليون دولار، شراكات مثل شراكته مع شركة ريليتد للوصول إلى أسواق العقارات الراقية.

وقد توطدت علاقته مع ريليتد بعد صفقة عام ٢٠٢٠ التي جعل فيها صندوق الاستثمارات العامة استثمارا في الدين قابلا للتحويل إلى حصة أسهم بنسبة ١٥٪. ومنذ ذلك الحين، تعاون الطرفان في مشاريع متعددة.

سوق العقارات في نيويورك: لا يزال سوقا عالميا جاذبا

وعلى الرغم من مواجهة رياح معاكسة خلال الجائحة وما تلاها من ارتفاع في أسعار الفائدة، لا تزال نيويورك سوق العقارات التجارية الأكثر سيولة ومرونة في الولايات المتحدة. ويشير المحللون إلى ارتفاع إيجارات الشقق – التي بلغت حاليا مستويات قياسية – وتحسن إشغال المكاتب كمؤشرات على قوة السوق واستمراريته.

اقرأ أيضا.. في مواجهة نقص الأدوية.. السعودية تراهن على بدائل بنفس الفعالية وتكلفة أقل

ويعكس فوز الاشتراكي الديمقراطي زهران ممداني مؤخرا في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، والذي تمحور حول برنامج تجميد الإيجارات، كيف تُشكل القدرة على تحمل تكاليف السكن المناخ السياسي والاقتصادي للمدينة.

ومع تجديد المستثمرين الدوليين، مثل صندوق الاستثمارات العامة، رهاناتهم على مانهاتن، يبدو أن المدينة تسير بخطى ثابتة نحو انتعاش سوق العقارات بعد الجائحة، مستقطبةً مليارات الدولارات من أعمق جيوب العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى