طائرات صينية تحلق بالقرب من إسرائيل وحاملات الطائرات الأمريكية- ما القصة؟

في تطوُّر لافت يعكس التحولات الجيوسياسية المتسارعة في الشرق الأوسط، حلَّقت طائرات صينية متطورة بالقرب من مناطق حساسة بمنطقة البحر الأحمر، على مسافة ليست بعيدة عن السواحل الإسرائيلية وميناء إيلات ومواقع تمركز حاملات الطائرات الأمريكية. الحدث الذي تم رصده عبر أقمار صناعية ومصادر استخباراتية غربية، أثار جدلًا واسعًا حول أبعاده العسكرية والسياسية، خصوصًا في ظل التوتر المتصاعد بين بكين وواشنطن.

ما القصة وراء ظهور الطائرات الصينية؟

وفقًا لتقارير استخباراتية نقلتها صحيفة The Times of Israel، شاركت طائرات مقاتلة صينية في مناورات عسكرية جوية مشتركة مع القوات المسلحة المصرية، في خطوة غير مسبوقة في هذه المنطقة شديدة الحساسية.

إعلان
المقاتلة الصينية J-10 بجوار المصرية طراز ميج29
المقاتلة J-10 الصينية بجوار ميج 29 المصرية خلال مناورة نسور الحضارة

حالة تأهب في تل أبيب

المناورات جرت بالتزامن مع وجود حاملتي الطائرات الأمريكية، المنتشرة لدعم العمليات العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر والخليج العربي على خلفية التصعيد مع الحوثيين في اليمن.

كما أشارت تقارير إلى أن المقاتلات الصينية لم تنتهك المجال الجوي الإسرائيلي، لكنها اقتربت من نطاق الرادارات الإسرائيلية، ما دفع تل أبيب إلى رفع حالة التأهب الجوية.

مناورة نسور الحضارة
جانب من المناورة الجوية المشتركة بين مصر والصين “نسور الحضارة”

رسائل متعددة في توقيت حساس

التحليق الصيني في هذا التوقيت ليس مجرد مناورة اعتيادية. فالصين تسعى لإرسال رسالة مزدوجة: أولاً، أنها لم تعد تكتفي بدور اقتصادي صامت في الشرق الأوسط، وثانيًا: أنها تملك الإرادة والقدرة على تنفيذ عمليات عسكرية رمزية بالقرب من مناطق النفوذ الغربي التقليدية.

هذا الحراك يأتي ضمن استراتيجية “طريق الحرير العسكري” غير المعلنة، التي تسعى من خلالها بكين إلى تعزيز وجودها البحري والجوي في المناطق الحيوية لتدفق الطاقة والتجارة، مثل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وفق تحليل نشرته Carnegie Endowment for International Peace، فإن الصين بدأت في تفعيل أدوات الردع العسكرية الناعمة، عبر مناورات ووجود رمزي قرب الخصوم، مشابه لما كانت تفعله روسيا في بحر الشمال وبالقرب من ألاسكا.

المقاتلة الصينية J-10 تحلق أعلى سفن أمريكية بميناء ينبع السعودي

توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل

تأتي هذه المناورة الجوية بين الصين ومصر في ظل تصاعد التوتر على الحدود المصرية الإسرائيلية مع انتشار عسكري مصري غير المسبوق في سيناء، مما أثار قلقًا واضحًا في تل أبيب، التي اعتبرت التحركات المصرية وإعادة انتشار الجيش المصري في سيناء خرقا لاتفاقية “كامب ديفيد”، في وقت تشهد فيه العلاقات بين الجانبين تدهوراً متسارعاً منذ الحرب على غزة.

طائرة النقل العسكري Y-20 وطائرة الإنذار والاستطلاع الجوي الصينية خلال مناورة نسور الحضارة

رد الفعل الأمريكي والإسرائيلي المتوقع

حتى الآن، لم تُصدر واشنطن أو تل أبيب بياناً رسمياً يدين التحليق الصيني، لكن التسريبات تشير إلى حالة من الانزعاج داخل أروقة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، خصوصاً وأن الطائرات الصينية عبرت مسارات قرب القطع البحرية الأمريكية دون سابق تنسيق.

الولايات المتحدة قد ترد عبر تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، أو من خلال توسيع شراكاتها الدفاعية مع دول مثل اليونان وقبرص ومصر، لخلق “طوق أمني” يقيّد حركة الصين المستقبلية في البحر المتوسط.

أما إسرائيل، فقد تجنبت حتى الآن التصعيد الإعلامي، خشية توتير العلاقات الاقتصادية المزدهرة مع الصين. لكنها بحسب تقرير نشره Haaretz، بصدد مراجعة البروتوكولات الأمنية في منشآت البنية التحتية التي استثمرت فيها شركات صينية، مثل ميناء حيفا.

هل يصبح الشرق الأوسط ساحة صراع جديدة بين بكين وواشنطن؟

منطقة الشرق الأوسط كانت طوال العقود الماضية ملعباً لصراعات النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا، لكنها الآن تشهد دخول لاعب ثالث بثقل اقتصادي وعسكري متنامٍ: الصين.

ووفق تحليل نشره Foreign Affairs، فإن بكين تسعى إلى تعزيز موقعها كلاعب استراتيجي في المنطقة من خلال:

بناء قواعد لوجستية بحرية مثل التي أقامتها في جيبوتي.

توقيع اتفاقيات تسليح وتدريب مع دول مثل إيران والسعودية والجزائر.

توسيع دورها في المبادرات الأمنية، مثل مبادرة الأمن العالمي التي طرحتها مؤخراً.

هذا التمدد قد يُقابل بمقاومة أمريكية أكبر، خاصة إذا شعرت واشنطن أن بكين بدأت تهدد تفوقها العسكري أو تحالفاتها التاريخية في المنطقة.

التوسع الصيني المرتقب في العالم العربي

الوجود العسكري الصيني في المنطقة هو انعكاس لتحول أوسع في السياسة الصينية تجاه العالم العربي، والذي يشمل:

التوسع الاقتصادي: الصين هي الشريك التجاري الأول للعديد من الدول العربية، وتستثمر مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية والطاقة، ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.

التعاون الدفاعي: وقعت الصين اتفاقيات تعاون عسكري مع السعودية ومصر والجزائر، وتشمل صفقات أسلحة وتدريب مشترك.

الوساطة السياسية: نجحت بكين في رعاية الاتفاق بين السعودية وإيران عام 2023، مما يعكس رغبتها في لعب دور سياسي فعال في تهدئة النزاعات الإقليمية.

ومع تقليص الولايات المتحدة لوجودها العسكري تدريجياً، تبدو الصين مستعدة لملء الفراغ، خصوصاً في الدول التي تسعى لتنويع تحالفاتها الدفاعية والاستراتيجية.

بكين في طريقها لأن تصبح لاعباً أمنياً فاعلاً في الشرق الأوسط

تحليق الطائرات الصينية بالقرب من إسرائيل وحاملات الطائرات الأمريكية ليس حادثاً عرضياً، بل هو إعلان صيني صريح بأن بكين في طريقها لأن تصبح لاعباً أمنياً فاعلاً في الشرق الأوسط، في مواجهة غير مباشرة مع واشنطن.

وفي ظل التغيرات الجذرية في التحالفات الإقليمية والدولية، يبدو أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة جديدة من التنافس الجيوسياسي قد تعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة لعقود قادمة.

اقرأ أيضًا: باتريوت مقابل HQ-9 .. التفوق الغربي أم الكفاءة الصينية؟

إعلان
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
error: Content is protected !!