طرد وفد دبلوماسي أوروبي من شرق ليبيا.. خلاف بروتوكولي أم موقف سياسي محسوب؟

في خطوة أثارت جدلاً سياسياً ودبلوماسياً واسعاً، أقدمت سلطات شرق ليبيا على طرد وفد دبلوماسي أوروبي فور وصوله إلى مطار بنغازي في حادثة سلّطت الضوء على التوازنات الهشة داخل ليبيا، وعلى مساعي المشير خليفة حفتر لتكريس نفسه طرفاً أساسياً في المعادلة الليبية لا يمكن تجاوزه، حتى في ظل غياب الاعتراف الدولي الرسمي بحكومته.

وبحسب تقارير فإن الوفد الذي ضم مفوضاً من الاتحاد الأوروبي ووزراء من اليونان وإيطاليا ومالطا، كان قد أنهى زيارة رسمية إلى العاصمة طرابلس التي تسيطر عليها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، قبل أن يتوجه إلى مدينة بنغازي الواقعة تحت سيطرة الحكومة الموازية برئاسة أسامة حماد والمدعومة من قائد “الجيش الوطني الليبي” المشير خليفة حفتر.

وعند وصوله إلى مطار بنغازي، أبلغت سلطات شرق ليبيا أعضاء الوفد بضرورة مغادرة البلاد فوراً، واعتبرتهم “غير مرغوب فيهم”، متهمة إياهم بانتهاك الأعراف الدبلوماسية وعدم احترام السيادة الليبية، على خلفية ما وصفته بتجاوزات في إجراءات الدخول وتنقل البعثات الأجنبية.

الاتحاد الأوروبي يقلل من طرد وفد دبلوماسي من شرق ليبيا

في بروكسل، وصفت مصادر في الاتحاد الأوروبي ما جرى بأنه “خرق مؤسف للبروتوكول”، مشيرة إلى وجود “سوء تفاهم كبير” بشأن الجهة الليبية التي كان مقرراً الاجتماع بها.

كما أكدت المفوضية الأوروبية أن الخلافات البروتوكولية تسببت في إلغاء زيارة بنغازي، لكنها لم تصدر بياناً يحمل أي إدانة مباشرة للخطوة الليبية.

إلا أن أوساطاً دبلوماسية وأكاديمية اعتبرت ما حدث أبعد من مجرد خلل في التنسيق. إذ وصف محللون طرد الوفد بأنه خطوة سياسية مقصودة، تهدف إلى إيصال رسالة واضحة مفادها أن سلطات الشرق الليبي، بقيادة حفتر، يجب أن تُعامل على قدم المساواة مع حكومة طرابلس، وأن تجاهل هذا الواقع سيقابل بإجراءات أكثر صرامة.

هل كانت أثينا المستهدفة؟

تشير تقديرات سياسية إلى أن اليونان كانت المستهدَف الرئيسي من هذه الخطوة. فقبل يومين من الواقعة، زار وزير الخارجية اليوناني بنغازي وطرح مطالب تتعلق بملف الهجرة وترسيم الحدود البحرية، دون تقديم تنازلات مقابلة، ما أثار استياء سلطات الشرق الليبي.

ويُعتقد أن حضور وزير يوناني ضمن وفد الاتحاد الأوروبي بعد زيارته طرابلس، دون تنسيق واضح مع حكومة حماد، فُسّر في بنغازي كإشارة إلى محاولة وضع الطرفين الليبيين على قدم المساواة، وهو ما رفضه حفتر بقوة.

أوروبا تتعامل بحذر

تسلّط الحادثة الضوء على استراتيجية حفتر في تثبيت حضوره على الساحة الإقليمية والدولية، مستخدماً ملفي الهجرة والطاقة كورقتي ضغط على العواصم الأوروبية.

ويؤكد مراقبون أن المشير، الذي يسيطر على الساحل الشرقي الغني بالنفط وموانئ انطلاق قوارب الهجرة، بات رقماً صعباً في أي مفاوضات تخص الأمن الإقليمي والهجرة غير النظامية.

ويأتي ذلك في ظل نشاط دبلوماسي لافت لعائلة حفتر، حيث أجرى المشير زيارات رسمية إلى باريس وموسكو خلال الأشهر الماضية، فيما قام نجله صدام بجولات شملت الولايات المتحدة وتركيا وإيطاليا والنيجر، بهدف تعزيز الحضور الخارجي لمعسكر الشرق الليبي.

تركيا تغيّر لهجتها تجاه حفتر

اللافت أن تركيا، التي دعمت حكومة الوفاق الوطني في صدّ هجوم حفتر على طرابلس عام 2020، بدأت مؤخراً بالاقتراب من سلطات الشرق، في محاولة للاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار، ولفرض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة مع حكومة طرابلس، والتي ترفضها اليونان وتعتبرها غير قانونية.

ويرى مراقبون أن أنقرة تسعى لإقناع حفتر بعدم معارضة الاتفاقية البحرية مقابل مصالح اقتصادية، في مؤشر على تبدل التحالفات وفق ما تمليه المصالح الاستراتيجية.

أوروبا في اختبار حرج

وفق تقارير فإن الحادثة وضعت الاتحاد الأوروبي أمام معضلة دبلوماسية معقّدة: فبينما تعترف بروكسل بحكومة طرابلس وحدها كممثل شرعي لليبيا، تجد نفسها مضطرة للتواصل مع حفتر بسبب النفوذ الميداني الكبير الذي يملكه في الشرق، وخصوصاً في قضايا تتعلق بالهجرة والطاقة، وهي ملفات حيوية بالنسبة للدول الأوروبية.

وفي ظل استمرار الانقسام الليبي، يبدو أن الدول الأوروبية مطالَبة بإعادة تقييم سياساتها تجاه ليبيا، بما يضمن عدم خسارة أدوات التأثير في بلد بات ساحته مفتوحة أمام التدخلات الإقليمية والدولية.

علاقات أوروبا وشرق ليبيا

بحسب مراقبون فبعيداً عن التوصيفات الرسمية لما جرى في بنغازي، فإن الحادثة تمثل علامة فارقة في مسار العلاقة بين أوروبا وسلطات الشرق الليبي. فهي رسالة مباشرة مفادها أن تجاهل حفتر لم يعد خياراً واقعياً، وأن معسكره يرفض أن يُعامل كمجرد “أمر واقع عسكري” دون شرعية سياسية.

وفي ظل تعدد الأجندات وتداخل المصالح، لا يبدو أن ليبيا ستعرف استقراراً قريباً، ما دامت القوى الأجنبية لم تتعامل بواقعية مع الحقائق القائمة على الأرض، ومع اللاعبين الذين يملكون مفاتيح الحل والعقد داخل البلاد.

اقرأ أيضا

وصفوه بالمجنون بعد قصف سوريا.. هل ينقلب ترامب على نتنياهو؟

زر الذهاب إلى الأعلى