عبد الباسط الساروت.. بلبل الثورة السورية وحارسها
عبد الباسط الساروت.. بالتزامن مع التطورات الخطيرة التي تحدث في سوريا خلال الأيام الحالية، ظهر من جديد اسم الناشط السوري عبد الباسط الساروت، والذي اطلق عليه اسم بلبل ثورة سوريا، والذي راح ضحية لهذه الثورة.
اقرأ أيضا: أخبار سوريا.. الأقمار الصناعية ترصد انسحاب البحرية الروسية من قاعدة طرطوس
عبد الباسط الساروت
ولد عبد الباسط الساروت، في مدينة حمص السورية عام 1992، وكان ولعه برياضة كرة القدم واضح منذ طفولته ولعب في أندية محافظته، ليصبح أحد أشهر حراس كرة القدم في سوريا، ونال جائزة أفضل ثاني حارس كرة قدم، في القارة الآسيوية.
وأصبح الساروت، حارس مرمى المنتخب السوري لكرة القدم للشباب، إلا أن اندلاع الثورة السورية، عام 2011، فرض عليه، كما قال هو في عشرات التصريحات المتلفزة والمكتوبة، الاستجابة لطموحات أبناء مدينته، بالحرية والعدالة، مثله كمثل مئات الآلاف من السوريين الذين انخرطوا في ثورة سلمية على النظام السوري، قوبلت بالنار والحديد والتنكيل ودموية لم يشهد لها التاريخ العسكري مثيلا، كما تقر بذلك الأمم المتحدة، حتى بلغ عدد الضحايا مئات الآلاف من القتلى، وملايين المهجرين والنازحين في مختلف بقاع الدنيا.
مشاركة الساروت في الثورة السورية
برز الساروت في الساعات الأولى للثورة ضد نظام الأسد، وبفضل صوته العذب والعفوي، أصبح رمزًا من خلال إنشاد الأغاني الثورية التي عبرت عن نضاله وكفاحه. كانت أغانيه السياسية، التي ألهمت جمهور الثورة، بمثابة ضربات موجعة للنظام السوري، بحسب متابعين، مما دفع النظام إلى محاولة استهدافه عدة مرات دون جدوى، ليعلن بعدها عن مكافأة مقابل اعتقاله أو قتله. وبشعبيته الكبيرة في مدينته حمص، شكل الساروت تهديدًا معنويًا كبيرًا للنظام الذي حاول تشويه سمعته عبر ترويج أكاذيب، منها اتهامه بالانتماء إلى تنظيم داعش، بهدف النيل من صورته التي كانت مشرقة في نظر العديد من السوريين من مختلف الخلفيات السياسية والدينية والطائفية، باستثناء نظام الأسد.
عرفه الجمهور السوري بفضل قيادته للتظاهرات المناهضة لنظام الأسد في حمص، فضلاً عن الفيديوهات التي انتشرت له على موقع “اليوتيوب”، حيث كان يظهر وهو ينشد ويطلق شعارات مثل: “حرّية للأبد، غصباً عنك يا أسد”.
ماذا حدث لعائلة الساروت
فقد الساروت معظم أفراد عائلته على يد جيش النظام السوري، الذي اقترب من “إفناء” عائلة الساروت، وفقًا لمصادر سورية معارضة. فقد قُتل عدد من أقاربه على يد النظام، حيث استشهد عدة من أخواله، ثم لقي أربعة من إخوته حتفهم؛ إذ قُتل وليد في عام 2011، ومحمد في عام 2013، ثم أحمد وعبد الله في عام 2014، بحسب ما أفادت به مصادر المعارضة السورية.
بلبل الثورة السورية يحمل السلاح
واضطر الساروت، في ذلك الوقت، إلى الدفاع عن بقية أفراد عائلته وأبناء مدينته حمص، وكذلك أنصار المعارضة السورية، فأسس في عام 2015 فصيلاً عسكرياً بسيطاً أطلق عليه اسم “كتيبة شهداء البياضة”، بهدف حماية الأهالي من محاولات جيش النظام المتكررة لتصفية معارضيه بالقتل والاغتيال. وقد استهدف النظام الساروت شخصياً في عدة محاولات اغتيال، كما تؤكد جميع المصادر المتطابقة.
أصبح الساروت رمزًا إنسانيًا معروفًا في أوساط المعارضة السورية، عندما بذل جهودًا لتأمين مغادرة زميلته الفنانة المعارضة فدوى سليمان إلى الخارج لتلقي العلاج، في حين أصر هو على البقاء في سوريا كرمز للثورة وأحد أبرز نشطائها، ليستمر في عمله حتى استشهد وهو يؤمن بمبادئه.
في هذه الأثناء، كان النظام السوري يفرض حصارًا شديدًا على أهالي حمص، من خلال القصف والقتل. فغادر الساروت في عام 2016 إلى تركيا، ليعود بعد فترة إلى شمال سوريا في إدلب، وهي المنطقة التي سبق وأن هجّر إليها النظام السوري العديد من معارضي حمص وغيرها من معاقل الثورة. هناك، استأنف الساروت قيادة التظاهرات في الشمال، وظهر في العديد من الفيديوهات وهو ينشد ويطلق الشعارات، كلما توقف قصف طيران ومدفعية النظام.
كانت حياة الساروت في شمال سوريا محفوفة بالمخاطر، حيث كانت التنظيمات المتشددة تسعى إلى تصفيته، مثلما فعلت مع عدد من الإعلاميين والمعارضين السلميين. وأدت آخر محاولة اغتيال له، في بداية هذا العام، إلى رصد محاولة لزرع عبوة ناسفة في سيارته. ورغم ذلك، قاوم الساروت المجموعة المهاجمة، التي اضطرت للانسحاب بعد اشتباك معها.
في تلك الفترة، كان الساروت مضطراً للدفاع عن عائلته وأبناء مدينته حمص وكل أنصار المعارضة السورية، فأسس في عام 2015 فصيلاً عسكرياً صغيراً باسم “كتيبة شهداء البياضة”، وذلك للتصدي لمحاولات جيش النظام المتواصلة لقتل معارضيه واغتيالهم. وقد تعرض الساروت لمحاولات اغتيال عدة من قبل النظام، بحسب تأكيدات المصادر المتطابقة.
نهاية الساروت
تحوّل الساروت من مجرد مُطلق للشعارات إلى مدافع مسلح عن المدنيين وحمايتهم، مما جذب انتباه أهل الفن والإعلام إليه. أصبح الساروت رمزاً للثورة السورية، تجسيدًا حيًا لضحاياها، خاصة بعدما فقد أغلب أفراد أسرته على يد جيش النظام، وفقد صديقة ثورته الفنانة فدوى سليمان، بالإضافة إلى تهجير معارضي الأسد من حمص والمناطق الأخرى إلى الشمال السوري. وقد ظهر الساروت في فيلم “العودة إلى حمص” للمخرج السوري طلال ديركي عام 2014، الذي حاز على عدة جوائز عالمية، حيث جسد الفيلم تأثير عنف النظام ومجازره، وكيف دفع هذا العنف الساروت وغيره من الشباب إلى حمل السلاح لحماية الأهالي والدفاع عنهم.
لكن الفصل الأخير من حياة الساروت بدأ في بداية عام 2019، عندما سعت التنظيمات المتشددة والنظام السوري للتخلص منه بسبب شعبيته واحترام الناس له. في تلك الفترة، نجا الساروت من محاولة اغتيال، ثم اشتبك مع قوات النظام التي شنت هجومًا عنيفًا مدعومًا بالطيران الروسي والميليشيات الإيرانية على مناطق ريفي إدلب وحماة. وأقرّ نظام الأسد بمقتل الساروت في تلك المعركة، حيث قيل إنه قضى وهو يقاتل عن قرب، ليختتم حياته كمنشد ثورة وحارس كرة قدم، وهو يعبّر عن قناعاته ومبادئه، من أول يوم أطلق فيه شعارات الثورة، إلى يوم حمل فيه البندقية لمواجهة قاتلي أفراد أسرته وشعبه.