عدد الأطفال مبتوري الأطراف بغزة يفوق أي مكان آخر في العالم.. آثار لأصغر الناجين

وفقا لتقرير نشرته الجارديان، فإن عدد الأطفال مبتوري الأطراف بغزة يفوق أي مكان آخر في العالم، يشهد علي ذلك إلياس، البالغ من العمر أربع سنوات، وشقيقته تالين، البالغة من العمر خمس سنوات، وشقيقه خالد، البالغ من العمر تسع سنوات، في حي هادئ شمال شرق فيلادلفيا، على بُعد آلاف الأميال من الصدمة التي حطمت طفولتهم في غزة.

وفقا لما نشرته الجارديان، تجلس والدتهم آمنة بجانبهم، تُواجه حياة المنفى بينما يتعافى أطفالها من إصابات كارثية. لكن الهدوء خادع: فثقل ما عانوه – وما ينتظرهم – يُلقي بظلاله الطويلة.

إلياس من بين الأطفال مبتوري الأطراف حيث فقد ساقه بصاروخ إسرائيلي. تُكافح تالين التهابات وإصابات مُزمنة قد تُؤدي إلى البتر. خالد، الأكبر سنًا والأكثر هدوءًا، يحمل جروح الحرب الخفية.

شهد جنودًا ينتهكون حرمة مستشفى ويضربون والده أثناء الحصار. هؤلاء الأطفال من بين القلائل الذين تم إجلاؤهم من غزة لتلقي العلاج، كجزء من برنامج تنظمه منظمة “شفاء فلسطين”، وهي منظمة غير ربحية تقدم الرعاية الطارئة والدعم النفسي والاجتماعي لأشد جرحى غزة تضررًا.

الأطفال مبتوري الأطراف مستقبلهم مليء بمزيد من الغموض. بمجرد انتهاء علاجهم، سيُجبرون على مغادرة الولايات المتحدة، على الأرجح إلى مصر.

الأطفال مبتوري الأطراف: جيل مُدمر

الأرقام تتحدى الفهم. وفقًا لمجلة “ذا لانسيت”، ربما تكون الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة قد قتلت أكثر من 64000 شخص في الأشهر التسعة الأولى وحدها، متجاوزةً بذلك بكثير الإحصاءات الرسمية. تُقدر الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 14500 طفل قد لقوا حتفهم، بينما أصيب 25000 آخرون.

بُترت أطراف ما بين 3000 و4000 طفل. مع محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية والتغذية والصرف الصحي المناسبين، كان من الممكن تجنب العديد من حالات البتر هذه. يؤكد الأطباء العاملون في غزة هذا.

تحدثت الدكتورة فيروز سيدهوا من الخطوط الأمامية، ووصفت أطفالًا فقدوا أطرافًا كان من الممكن إنقاذها في ظروف أفضل. سوء التغذية، ونقص المضادات الحيوية، والتدمير الهائل للأسلحة الحديثة، تجعل الشفاء شبه مستحيل. وأضاف الدكتور ثائر أحمد أن الأطباء المنهكين يُجبرون على بتر الأطراف كحل أخير لإنقاذ الحياة.

هذه ليست مجرد إحصائيات، بل هي قصص حية عن الصدمات، مثل بيلسان، البالغة من العمر أحد عشر عامًا من خان يونس، والتي تتعافى الآن في فرجينيا. فقدت ساقها في قصف بينما كانت نائمة بجانب ابنة عمها التي توفيت. قصتها تُحاكي قصص آلاف الأطفال الآخرين الذين يعانون من حروق وكسور وأضرار عصبية، وانعدام الأمل.

قصص النجاة والانفصال

الأطفال الذين نجوا وتمكنوا من الوصول إلى الولايات المتحدة أو مصر هم الاستثناء. تطلبت رحلتهم شبكة تنسيق معقدة عبر الحدود والهيئات: وزارة الصحة في غزة، والحكومة المصرية، ومنظمة الصحة العالمية، وحتى الجيش الإسرائيلي. تم إجلاء الكثيرين عبر رفح قبل أن تسيطر عليها القوات الإسرائيلية في مايو 2024.

مرح، 16 عامًا، فقدت ساقيها في غارة جوية على رفح. وهي الآن في نيويورك، وتخضع لعلاج مكثف. والدتها، أمل – المصابة بجروح بالغة – اتخذت قرارًا مستحيلًا بمغادرة غزة من أجل مستقبل مرح. ومثل الآخرين، سيُجبرون قريبًا على مغادرة الولايات المتحدة بسبب سياسات وزارة الخارجية، متجهين إلى مصر بآفاق محدودة.

مالك، البالغ من العمر ثماني سنوات، والذي تعرض لإصابة دماغية رضية في النصيرات، يعيش الآن في القاهرة. تغطي صفيحة من التيتانيوم جمجمته. إنه من المحظوظين القلائل الذين يتلقون العلاج والتعليم والسكن من خلال منظمة “شفاء فلسطين”، التي تدير أيضًا مطابخ طعام وعيادات للصحة النفسية في غزة.

اقرأ أيضا.. العلامة الفندقية الفاخرة سيغنيا تدخل السوق الإفريقية بفندقين في القاهرة

أي مستقبل ينتظر هؤلاء الأطفال؟

السؤال الذي يُؤرق كل والد، وكل طبيب، وكل عامل إغاثة: أي مستقبل ينتظر هؤلاء الأطفال؟

في الولايات المتحدة، يتمتع الأطفال ذوو الإعاقة بحقوقهم، ويحصلون على العلاج، ويحظون بتعليم شامل. أما في غزة أو مصر، فالبنية التحتية تنهار – أو لم تكن موجودة أصلًا.

ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، ستستغرق إعادة إعمار غزة أكثر من 50 مليار دولار وعقدًا من الزمن، لكن هذا لن يُعيد 1000 عامل رعاية صحية قُتلوا، ولا المستشفيات التي دُمّرت.

مصر تُقدّم الكثير لكن نظام المستشفيات في مصر مُثقل بالفعل. واللاجئون، بمن فيهم 100 ألف غزّي، عالقون في حالة من الفراغ القانوني.

أوضح عالم الأعصاب الذي تحدثت إليه في فيلادلفيا أن أدمغة الأطفال مرنة – ولكن فقط إذا تلقوا علاجًا مُستدامًا. وحذّر قائلًا: “هناك حدّ للتعافي دون دعم مناسب”. بالنسبة للأطفال الذين يعانون من إصابات في الدماغ، العلاج ليس اختياريًا، بل ضروري.

طفولةٌ في عداد الأموات

إلياس، تالين، خالد، بيلسان، مرح، مالك – كل اسمٍ منهم لا يُمثل ناجيًا فحسب، بل يُمثل مستقبل مجتمع. هؤلاء الأطفال، الذين كانوا في يومٍ من الأيام رمزًا لصمود غزة، يُجسدون الآن صدمتها. ستُشكل حياتهم ذاكرة فلسطين وهويتها وواقعها السياسي لأجيال.

في عام 2024، ومع اشتداد الحرب، صُوّر مشجعون إسرائيليون في أمستردام وهم يهتفون استفزازًا بشعًا: “لماذا المدارس مغلقة في غزة؟” والجواب: “لم يبقَ أطفال”.

هذا التصريح، على فظاعته، يُجسد حقيقةً مُرّة. لقد مُحيت الطفولة في غزة. لم يعد هؤلاء الأطفال يحلمون بأفلام الكرتون أو حفلات أعياد الميلاد. تشمل مفرداتهم الجديدة كلماتٍ مثل “بتر” و”غيبوبة” و”إخلاء”. تُمارس ألعابهم في غرف العلاج. ضحكهم نادر.

لم تُبتر الحرب الأطراف والأرواح فحسب، بل سرقت المستقبل.

شهادة على الفقد والبقاء

لم يعد أطفال غزة مجرد ضحايا، بل هم دليل. إصاباتهم سجلات تاريخية، وبتر أطرافهم إدانة جماعية. سيُشكل ألمهم روح المجتمع الفلسطيني وقوانينه وذاكرته. يبقى سؤال ما إذا كان العالم سيُنصت إليهم مفتوحًا.

كما قالت آمنة، وهي تستذكر ليلة وفاة ابنها فارس حديث الولادة بين ذراعيها: “كنا حفاة. دُمر كل شيء. لا مدرسة. لا مستشفى. المعالم – لم تعد جباليا.”

بالنسبة لأطفال غزة، الشفاء ليس مجرد رحلة طبية. إنه محاسبة على الخسارة – والمهمة المستحيلة لبناء حياة من الأنقاض.

زر الذهاب إلى الأعلى