عقب أعمال العنف.. الزعماء يتفقون على نزع سلاح ميليشيات الدروز في سوريا

في أعقاب أعمال العنف الطائفي الدامية التي هزَّت بلدة أشرفية صحنايا هذا الأسبوع، وافَق زعماء الدروز على نزع سلاح ميليشيات الدروز ودمْجها في القوات السورية المسلحة.
وفقًا لتقرير نيويورك تايمز، يأتي هذا القرار، الذي تمَّ التوصل إليه بعد يومين من القتال العنيف الذي خلّف عشرات القتلى، في إطار جهود إعادة الاستقرار إلى منطقة تسودها حالة من انعدام الثقة والريبة. ورغم هذا الاتفاق، لا يزال العديد من السكان المحليين حذرين، غير متأكدين مما إذا كان يمكن الوثوق بوعود الحكومة بالحماية.
بلدة مزقها العنف
شهدت أشرفية صحنايا، البلدة التي كانت هادئة في السابق جنوب دمشق، تصعيدًا غير مسبوق في أعمال العنف هذا الأسبوع. وأدى اشتباك بين القوات الحكومية والميليشيات الدرزية والمتطرفين السنة إلى مقتل ما لا يقل عن 101 شخص، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وجد السكان، الذين عاشوا سابقًا جنبًا إلى جنب مع مختلف الطوائف الدينية في سلام نسبي، أنفسهم عالقين في مرمى نيران قذائف الهاون والقذائف وضربات الطائرات المسيرة. وكان محفز العنف تسجيل صوتي مزيف لرجل دين درزي يهين النبي محمد، مما أثار غضب المتطرفين السنة.
كان القتال شرسًا، حيث انخرط مقاتلو ميليشيات درزية مسلحة في معارك مع كل من القوات الحكومية والجماعات السنية المتطرفة. بلغ العنف حدًا دفع إسرائيل، التي تحافظ على علاقات وثيقة مع الدروز، إلى التدخل وشنت غارات جوية على أهداف تابعة للحكومة السورية لحماية الدروز.
نزع سلاح ميليشيات الدروز
في تطور غير متوقع، اختار زعماء محليون في أشرفية صحنايا التعاون مع الحكومة السورية ووافقوا على دمج بعض مقاتليهم في الجيش الوطني ونزع سلاح ميليشيات الدروز. مثّل هذا تحولًا كبيرًا عن موقفهم السابق المتمثل في مقاومة الاندماج في القوات الحكومية، وهي خطوة غذّتها مخاوف من مخاطر محتملة على مجتمعهم.
كان هذا النهج الجديد، الذي تضمن تسليم الأسلحة، جزءًا من اتفاق أوسع نطاقًا وعدت فيه الحكومة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة خلال الاشتباكات.
أعرب جميل مدوّر، المسؤول الحكومي الأعلى في المنطقة، عن تفاؤله، مؤكدًا على ضرورة الوحدة. وصرح قائلًا: “كلنا في سفينة واحدة”، وحثّ جميع الأطراف على العمل معًا لمنع المزيد من إراقة الدماء.
تماشيًا مع هذا الشعور، ردّد الشيخ أبو ربيع الحاج علي، كبير رجال الدين في المدينة، الدعوة إلى السلام، مؤكدًا أن الدروز لم يعودوا يرغبون في حمل السلاح ضد الدولة.
سكان حذرون.. رد فعل منقسم
على الرغم من أن القادة أعربوا عن دعمهم للسلام، إلا أن السكان المحليين لا يزالون منقسمين. وقد أعرب بعضهم، مثل صالح مكيكي، أحد أقارب الشيخ أبو ربيع الحاج علي، عن استعدادهم للمضي قدمًا، رغم فقدان أحبائهم في الصراع.
علّق مكيكي بعد أن أطلقت الحكومة سراح 32 رجلًا من سكان المدينة كانوا محتجزين خلال أعمال العنف: “لقد حدثت أخطاء، لكن لدينا الآن ضمانات”.
مع ذلك، لا يزال آخرون متشككين بشدة. أعربت بهيرة حاج علي، إحدى سكان أشرفية صحنايا، عن عدم ثقتها بالقوات الحكومية، قائلةً إن الميليشيات الدرزية ضرورية لأمن المدينة. وأضافت: “هذا أمننا. لا ينبغي التنازل عنه”، مؤكدةً بذلك شعور الدروز بعدم اليقين بشأن ما إذا كانت وعود الحكومة ستُترجم إلى حماية فعلية.
اقرأ أيضًا: مزيج لعالم مُضلل.. لماذا تُرحب الصين وروسيا بهجمات ترامب على الإعلام؟
التوترات والانقسامات الطائفية
يُسلط العنف في أشرفية صحنايا الضوء على الانقسامات الطائفية العميقة التي لا تزال تُبتلي سوريا، حتى في ظل حكومتها الإسلامية الجديدة. وبينما تبنى بعض قادة الدروز السلام، لا يزال آخرون يخشون انتقام المتطرفين السنة أو القوات الحكومية.
يدل الاشتباك في أشرفية صحنايا على هشاشة الوضع في سوريا، حيث تُشكك سلطة الحكومة بشكل متزايد، ولا يزال تنامي نفوذ الجماعات المتطرفة يُهدد الاستقرار.
على الرغم من وعود الوحدة والسلام، لا يزال الوضع متقلبًا. في أعقاب أعمال العنف، خرج المتظاهرون إلى الشوارع، رافعين رايات هيئة تحرير الشام، الجماعة المتمردة السابقة التي تسيطر حاليًا على أجزاء من البلاد. وأكدت هتافاتهم على هويتهم الطائفية بدلًا من الشعور الوطني الموحد، مما يعكس الانقسامات المستمرة بين سكان سوريا المتنوعين.
غموض يكتنف محادثات السلام
في حين أن اتفاق نزع السلاح يمثل خطوةً واعدةً نحو المصالحة في أشرفية صحنايا، فمن الواضح أن السلام بعيدٌ كل البعد عن أن يكون مضمونًا. لا يزال المجتمع منقسمًا بشدة، ولا يزال الكثيرون غير متأكدين مما إذا كانت الحكومة قادرة على توفير حماية دائمة.
في حين تكافح سوريا لمواجهة مستقبلها الهش، فإن قرار الدروز بنزع سلاحهم والاندماج في القوات الوطنية يُقدم لمحةً عن استقرار محتمل، لكن الزمن وحده كفيلٌ بإثبات مدى صمد هذا الاستقرار.