عمان تكشف كنزها الخفي.. الجبل الأبيض يستعد ليتربع على عرش السياحة البيئية بالخليج

في تحرك استراتيجي يعكس طموح السلطنة في تنويع اقتصادها والحفاظ على أصالة هويتها، أطلقت وزارة التراث والسياحة في عُمان مبادرة سياحية ومشروعا طموحا لتطوير الجبل الأبيض، ثاني أعلى قمة في البلاد، وتحويله إلى وجهة رائدة للسياحة البيئية والثقافية.
عمان تعيد رسم خريطة السياحة المستدامة
ويوفقا لموقع “ترافيل اند تاور ورلد”، يعد هذا المسعى، بالشراكة مع شركة THR للاستشارات السياحية الاستراتيجية ومقرها إسبانيا، مشروعا أساسيا في إطار رؤية السلطنة السياحية 2040، التي تركز على التنمية المستدامة، وحماية الموارد البيئية، وتمكين المجتمعات المحلية.
ويعكس هذا التوجه قناعة سلطنة عُمان بأن السياحة المستقبلية لا يجب أن تقوم على التوسع العمراني السريع، بل على استثمار المقومات الطبيعية والثقافية بأسلوب يحترم البيئة والموروث الشعبي، ويخلق قيمة اقتصادية طويلة الأمد.
جمال الجبل الأبيض البكر.. جغرافيا نادرة وثقافة باقية
ويقع الجبل الأبيض في ولاية الحمراء بمحافظة الداخلية، على ارتفاع يقارب 3000 متر فوق سطح البحر، ويتميز الجبل الأبيض بجيولوجيته الفريدة التي أكسبته اسمه، إذ تطغى عليه صخور الأوفيوليت والجبس الجيري بلونها الأبيض اللافت.
ورغم أنه ثاني أعلى قمة في عمان، إلا أنه ظل بعيدا عن أنظار السياحة التقليدية نظرا لتضاريسه الوعرة وصعوبة الوصول إليه. ومع ذلك، فقد حافظت هذه العزلة على بيئته وطبيعته البكر وأصالته الثقافية، وهي صفات تسعى عمان الآن إلى إبرازها للعالم.
ولا تكمن القيمة الحقيقية للجبل في المناظر الطبيعية فقط، بل في القرى المهجورة وأنظمة ري أفلاج قديمة، إضافة إلى المجتمعات البدوية التي لا تزال تحتفظ بنمط حياة رعوي تقليدي، غير متأثر كثيرا بالعصر الحديث.
وكل هذه العناصر تجعل من الجبل الأبيض وجهة فريدة للمسافرين المهتمين بالهدوي البيئي، وعشاق الثقافة، ومحبي المغامرة الباحثين عن تجارب أصيلة وغامرة في بيئات نقية.
THR الإسبانية… شريك بخبرة عالمية
وقد اختارت الحكومة العمانية شركة “تي اتش ار THR ” الإسبانية، وهي شركة استشارية إسبانية متخصصة في تقديم الاستشارات في قطاع السياحة والسفر والترفيه، لتكون الشريك الاستشاري في إعداد الخطة الرئيسية لتطوير الجبل الأبيض.
ويُنظر لهذا التعاون بوصفه خطوة استراتيجية تهدف إلى الاستفادة من خبرات الشركة التي نفذت أكثر من 1100 مشروع في نحو 70 دولة.
ويشير خبراء السياحة إلى أن تعاون عُمان مع THR يتجاوز مجرد اتفاقية تطوير، بل هو إشارةٌ استراتيجيةٌ على عزم السلطنة جعل المشروع نموذجا عالميا في السياحة المستدامة والمحترمة ثقافيا.
وستشمل الخطة تطوير بنية تحتية صديقة للبيئة، مثل النُزُل البيئية والمسارات الطبيعية، إلى جانب خطط لحماية التراث الثقافي وإدارة تدفق الزوار، مما يضمن نموًا سياحيًا لا يُؤثّر على القيمة البيئية أو التاريخية للجبل.
رؤية عمان 2040.. سياحة اقتصادية بروح بيئية
وتندرج هذه المبادرة ضمن محاور رؤية عمان 2040، والتي تهدف إلى جعل السياحة إحدى الركائز الاقتصادية غير النفطية.
وتؤكد الخطط الرسمية أن الجبل الأبيض يمكن أن يتحول إلى نموذج حي يحتذى به، في كيفية تفعيل الإمكانات الريفية والجبلية بدون الإضرار بالبيئة أو تهجير المجتمعات المحلية.
تتضمن الرؤية أيضا تطوير برامج السياحة المجتمعية التي تمكن السكان المحليين من تقديم خدماتهم وتجاربهم التراثية، بما يسهم في خلق فرص عمل مستدامة وتعزيز الهوية الوطنية في أعين الزوار.
الأنظار الإقليمية والدولية تتجه إلى الجبل الأبيض
ويحظى المشروع باهتمام متزايد من صناع القرار في قطاع السياحة في الخليج والعالم، باعتباره حالة دراسية فريدة في كيفية التوفيق بين التنمية الاقتصادية والحفاظ البيئي.
ويرى مختصون أن نجاح هذا المشروع قد يعيد رسم ملامح السياحة الجبلية في الشرق الأوسط، بعيدا عن النماذج التجارية التقليدية.
اقرأ أيضا.. حرك المشهد كما تشاء.. 4DV.ai الصينية تحدث ثورة تفاعلية في عالم الفيديو
كما يعكس هذا التطوير النية الاستراتيجية لعُمان لريادة شبه الجزيرة العربية في مجال السياحة المسؤولة. من خلال حماية الأصول الطبيعية مع توليد قيمة اقتصادية واجتماعية، يتماشى المشروع مع الطلب العالمي المتزايد على السفر الأخلاقي والمستدام.
فلسفة سياحية جديدة… تحمل روح المكان
ويعد المشروع ليس فقط تطويرا سياحيا، بل هو فلسفة عملية في كيفية بناء وجهات سياحية تحترم الطبيعة، وتروي القصص، وتحفظ التراث، وتخدم الأجيال القادمة.
و”الجبل الأبيض”، بتكوينه وجغرافيته ومجتمعاته، يقدم تجربة سفر استثنائية تتجاوز الصور التذكارية إلى التجربة العميقة والاتصال بالإنسان والمكان.