فاينانشال تايمز تستكشف أسرار الصحراء المصرية على درب الأساطير والواحات والمعابد

تتمتع الصحراء المصرية، التي غالبًا ما تطغى عليها عظمة وادي النيل، بنصيبها من الأسرار والعجائب والأساطير والسراب القديم.
ينطلق ستانلي ستيوارت، من فاينانشال تايمز، في رحلة غربًا، متعمقًا في أرض الواحات والمعابد والمعجزات، كاشفًا عن عالم غالبًا ما يختلط فيه الواقع بالأساطير.
تُقدم هذه الرحلة لمحة عن قلب صحراء مصر الغربية الغامض، حيث لا تزال أصداء الأساطير القديمة، مثل زيارة الإسكندر الأكبر لواحة سيوة، تتردد عبر الرمال.
أسرار الصحراء المصرية.. سحر غامض
مع غروب الشمس فوق معبد آمون في سيوة، وجد ستيوارت نفسه وحيدًا مع أصداء التاريخ. هذا المعبد، حيث التمس الإسكندر الأكبر التوجيه من العراف عام 331 قبل الميلاد، هو مجرد واحد من بين العديد من الأماكن التي يجذب فيها سحر الصحراء الغامض الباحثين عن معنى يتجاوز المألوف.
لطالما أسرت اتساع الصحراء المغامرين والمستكشفين والباحثين عن الروحانيات، إذ وفرت لهم مساحةً تلتقي فيها الأساطير بالواقع.
يتأمل ستيوارت في جاذبية الصحاري لمن يبحثون عن شيء غير ملموس، من قصص الرهبان الذين عاشوا في عزلة هربًا من إغراءات الدنيا، إلى رحلة الإسكندر الغامضة عبر الصحراء. تُمثل الصحراء، بآفاقها اللامحدودة ورمالها المتحركة، مكانًا للاكتشاف وأرضًا للغموض في آنٍ واحد، حيث يزداد صعوبة التمييز بين الواقع والخيال.
- صحراء مصر
أديرة وادي النطرون
أخذت رحلة ستيوارت في البداية إلى وادي النطرون، واحةً كانت موطنًا لأقدم المجتمعات الرهبانية المسيحية. هنا، في القرن الثالث، انزوى القديس أنطونيوس في الصحراء ليُحارب شياطينه الداخلية.
اقرأ أيضًا: استراتيجيات ترامب ونتنياهو.. تكتيكات مشتركة لتقويض القضاء ومؤسسات الأمن
يزور ستيوارت دير السرياني، أحد الأديرة القبطية الأربعة في المنطقة، حيث يلتقي بالأب إيلاريون، وهو راهب معاصر، فيقدم له لمحة عن حياة الرهبان المعاصرين الهادئة، وإن كانت لا تزال شاقة. تتشابك طقوسهم اليومية، المتجذرة في تقاليد عريقة، مع التاريخ الصوفي للصحراء، الذي يجذب الباحثين عن الروحانية والحجاج من جميع أنحاء العالم.
- صحراء مصر
من بين أكثر سمات الدير إثارة للاهتمام، بقايا الرهبان الأوائل المحفوظة، بما في ذلك جسد بيشوي غير الفاسد، وهو معجزة صحراوية بحد ذاته. لا تزال قصص القديسين والمعجزات هذه تشكل الأهمية الروحية للمناظر الطبيعية الصحراوية في مصر، وتغرس في الأرض شعورًا عميقًا بالقداسة.
- صحراء مصر
عبر الصحراء المصرية إلى الواحات البحرية وما بعدها
من وادي النطرون، يتجه ستيوارت نحو واحة الواحات البحرية، حيث تمتد الصحراء بلا نهاية، مليئة بالجمال والخراب. بصحبة سائقه محمد مرسي، يتعرّف ستيوارت على رحابة الصحراء وعزلتها، حيث تبدو الأرض خالدة في تغيّر مستمر.
تأخذهم رحلتهم إلى معبد قصر الصاغة، وهو موقع فرعوني في قلب الصحراء، حيث يروي الحارس المحلي قصص أشباح جنّ الصحراء، وهي مخلوقات تُشكّل جزءًا لا يتجزأ من تقاليد الصحراء وتاريخها.
- معابد صحراء مصر
تُقدّم المناظر الطبيعية المحيطة بالصحراء مشهدًا مُتغيّرًا باستمرار، حيث تُقدّم الصحاري السوداء والبيضاء مناظر متباينة لتكوينات البازلت البركانية والحجر الجيري الناعم المتآكل، مما يخلق جوًا من عالم آخر. تُجسّد أوصاف ستيوارت اتساع هذه المناطق الهائل، التي يبدو أنها تحمل بقايا عوالم قديمة منسية تحت سطحها.
حفريات وادي الحيتان: إرث ما قبل التاريخ
من أكثر المناظر المذهلة التي صادفها ستيوارت وادي الحيتان، وهي منطقة محمية من قبل اليونسكو في قلب الصحراء. هنا، تم اكتشاف أكثر من 200 هيكل عظمي متحجر لحيتان من العصر الإيوسيني، كاشفةً عن حقبة كانت فيها الصحراء بحرًا ضحلًا.
تُقدم هذه المخلوقات القديمة، المحفوظة الآن في الرمال، تذكيرًا مؤلمًا بطبيعة الأرض المتغيرة باستمرار. إن نزهة ستيوارت بين الحفريات، ملاحظًا هياكل حيتان قديمة ذات أرجل تطورت إلى زعانف، تُثير شعورًا بالرهبة من النطاق الزمني الهائل لتاريخ الصحراء.
سيوة: واحة الأساطير
تبلغ رحلة ستيوارت ذروتها في سيوة، وهي واحة نائية في أقصى أطراف الصحراء الغربية المصرية، حيث لجأ إليها المصور الأمريكي الأسطوري لي ميلر، المصور والمراسل الحربي.
خاب أمل ميلر في حياتها بالقاهرة، فغامرت بزيارة سيوة عام 1934، تمامًا كما فعل ستيوارت، بحثًا عن ملاذٍ بعيدًا عن المألوف. تكشف زيارة ستيوارت لسيوة عن سحر هذه الواحة وعزلتها، حيث يحافظ أهل سيوة، البربر ذوو الثقافة واللغة الفريدتين، على تقاليدهم التي تعود إلى قرون.
تعكس هندسة سيوة المعمارية، وخاصةً نُزُل أدرير أميلال، بساطة الصحراء وجمالها. بُني هذا القصر المذهل (قصر على طراز القلاع) باستخدام مواد محلية، ويوفر ملاذًا فاخرًا مع الحفاظ على ارتباطه العميق بتقاليد الصحراء. تعكس إقامة ستيوارت هنا تجربة ميلر: فالصحراء لا توفر ملاذًا من الحياة العصرية فحسب، بل صلةً بما هو أقدم، شيء أكثر بدائية.
الإسكندر الأكبر ووسيط سيوة
يختتم ستيوارت رحلته بزيارة معبد آمون، الموقع نفسه الذي سعى فيه الإسكندر الأكبر للحصول على إجابات لأسئلة عميقة حول مصيره. لا يزال تاريخ زيارة الإسكندر محاطًا بالغموض، حيث يزعم البعض أنه سعى إلى الاعتراف به كإله، بينما يشير آخرون إلى أنه كان يبحث عن الاطمئنان بشأن حكمه.
يتأمل ستيوارت في الأسطورة التي تقول إن الإسكندر تلقى نبوءات “أسعدته”، على الرغم من أن التفاصيل لا تزال غامضة. تُذكّر أطلال المعبد الآسرة، بأصدائها التي تُعيد إلى الأذهان ماضيًا غابرًا، بسحر الطموح البشري ورمال الزمن المتحركة.
الصحراء المصرية أرض السراب والمعني
من خلال رحلة ستيوارت، تبرز الصحراء المصرية ليس فقط كمكان ذي أهمية تاريخية، بل كأرض تتشابك فيها الأساطير والحقائق.
من المستوطنات الرهبانية المسيحية المبكرة إلى بحث الإسكندر الأكبر عن إجابات، لطالما كانت الصحراء ساحةً للاستكشاف الروحي والفكري. واليوم، بينما يتتبع ستيوارت مسارات الرهبان والمغامرين والحالمين، لا تزال الصحراء تحتفظ بسحرها العريق – تذكيرًا ببحث البشرية الدائم عن المعنى والتواصل في عالم غالبًا ما يبدو واسعًا وغامضًا كالصحراء نفسها.