قبيل زيارته للخليج.. حرب غزة تعيد تشكيل أولويات ترامب في السعودية

مع اقتراب وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العاصمة السعودية الرياض، أعادت الحرب المستعرة في قطاع غزة تشكيل أولويات ترامب في السعودية، حيث يتوقع أن تكون مراسم الاستقبال الفخمة في القصور الملكية حاضرة، إلى جانب محادثات حول استثمارات قد تتجاوز قيمتها تريليون دولار.
لكن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وهو هدف لطالما سعى إليه ترامب، أصبح بعيد المنال في ظل استمرار القتال ورفض سعودي حازم للتقارب قبل وقف العدوان الإسرائيلي.
الملف الفلسطيني يربك جدول ترامب في السعودية
بحسب مصادر خليجية وأمريكية، فإن المسؤولين في إدارة ترامب يمارسون ضغوطاً هادئة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للموافقة على وقف إطلاق نار فوري في غزة، وهو شرط سعودي مسبق لاستئناف أي محادثات تطبيع.
وصرّح مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، خلال فعالية في السفارة الإسرائيلية بواشنطن، بأنه يتوقع إعلان تقدم جديد في مسار اتفاقيات إبراهام قريباً، إلا أن معارضة نتنياهو لأي وقف دائم للحرب أو إقامة دولة فلسطينية يجعل من إحراز تقدم مع الرياض أمراً غير مرجح.
التطبيع مؤجل إلى إشعار آخر
رغم التحركات الأمريكية، لم تعد مسألة التطبيع في صلب المباحثات السعودية الأمريكية، بل تم فصلها فعلياً عن ملفات أخرى، بحسب ستة مصادر مطلعة تحدثت لوكالة رويترز.
وترى هذه المصادر أن الأجندة الحالية ستركّز على الشراكة الاقتصادية والمجالات الأمنية، لا سيما في ظل رفض السعودية القاطع لأي تطبيع في ظل استمرار الحرب وسقوط آلاف الضحايا في غزة، وهو ما أكده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان علناً، متّهماً إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية”.
هدف تواجد ترامب في السعودية هو الاستثمار مقابل التهدئة
هدف ترامب المعلن من زيارته، وفقاً لمصادر مطلعة لوكالة رويترز، هو جذب استثمارات سعودية بقيمة تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، مقابل صفقات تسليح وتعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية.
وتأتي هذه الجهود في وقت أعلنت فيه السعودية نيتها توسيع استثماراتها في الولايات المتحدة إلى 600 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة.
ويؤكد خبراء أن السعودية تدرك جيداً أهمية التوازن في علاقاتها الدولية، وهي تسعى لاستثمار زيارة ترامب للحصول على تنازلات أمريكية بشأن الحرب في غزة، إلى جانب تعزيز الشراكة الاقتصادية بعيداً عن الملفات السياسية الشائكة.
انفراجة مؤقتة في ملفات حساسة
من المتوقع أن يتم الاتفاق خلال الزيارة على عدة صفقات كبرى، تشمل اتفاقيات دفاعية ومشاريع ضخمة.
وقد جرى بالفعل إحياء اتفاق الدفاع بين السعودية وأمريكا – الذي تعثر في نهاية عهد بايدن – ليأخذ صيغة اتفاق أمني مصغّر يوفر ضمانات محددة بعيداً عن المعاهدات الرسمية التي قد تثير معارضة في الكونغرس.
كما استؤنفت المحادثات بشأن التعاون النووي المدني بين الطرفين، وهي مسألة كانت موضع خلاف طويل، وجرى فصلها مؤقتاً عن ملف التطبيع لتسريع المفاوضات.
الغائب الحاضر: إسرائيل خارج الجولة
من اللافت أن ترامب لم يدرج إسرائيل في جدول جولته الحالية، رغم أنها كانت في صلب تحركاته الخارجية في ولايته السابقة.
ويُعتقد أن امتناعه يعود إلى غضب عربي من بعض تصريحاته السابقة، ومنها طرحه فكرة “ريفييرا غزة”، التي دعا فيها إلى تهجير السكان الفلسطينيين من القطاع، وهي فكرة لاقت رفضاً قاطعاً.
الصين على الرادار الأمريكي
زيارة ترامب تأتي أيضاً في سياق سعي الولايات المتحدة إلى استعادة نفوذها في الخليج، بعد أن حققت الصين تقدماً كبيراً في المنطقة على مدار الأعوام الماضية.
وتشير تقارير إلى أن بكين باتت لاعباً رئيسياً في مشاريع الطاقة والبنية التحتية ضمن “رؤية 2030” السعودية، وهو ما يدفع واشنطن لمحاولة تحجيم هذا النفوذ من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية مع الرياض.
اقرأ أيضًا.. ترامب يبدأ جولة الخليج لجذب الاستثمارات وسط اضطرابات إقليمية- هل ينجح؟
مراهنات على الاقتصاد لتجاوز الخلافات
وبينما تؤكد مصادر سعودية وأمريكية أن الشراكة الاقتصادية هي محور الزيارة، فإنها لن تخلو من رسائل سياسية، خاصة في ما يتعلق بحرب غزة.
ويراهن ترامب على أن تقديم حوافز اقتصادية ضخمة قد يفتح الباب مستقبلاً لاستئناف محادثات التطبيع في حال تحقق تقدم على المسار الفلسطيني.
لكن بحسب روبرت موجيلنيكي، الباحث في معهد دول الخليج العربية، الذي صرح لوكالة رويترز، فإن “تطبيع العلاقات مع إسرائيل قضية معقدة تتجاوز صفقات الاستثمار والترحيب البروتوكولي”، مشدداً على أن “الحل السياسي العادل للفلسطينيين لا يزال شرطاً أساسياً من وجهة نظر السعودية”.
جولة ترامب في السعودية تحمل طابعاً اقتصادياً واستثمارياً، لكنها تجري في ظل أزمة إقليمية معقدة فرضت نفسها على الأولويات.
وبينما يسعى الرئيس الأمريكي لإعادة رسم ملامح التحالفات في الخليج، فإن ملف غزة يظل حاضراً كعقبة كبيرة أمام أي تقدم في العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
ويبدو أن السعودية عازمة على انتهاز الفرصة لتعزيز مصالحها الاقتصادية، دون تقديم تنازلات في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.