قدرات تهدد أمريكا.. هل توجه واشنطن ضربة استباقية لكوريا الشمالية؟

كشفت وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية في أحدث تقرير أن كوريا الشمالية وصلت إلى أقوى موقع استراتيجي لها منذ عشرات السنين، مؤكدة أنها باتت واثقة من امتلاكها قدرات عسكرية تمكّنها من تهديد القوات الأمريكية وحلفائها في شمال شرق آسيا، بل وتمتد هذه القدرات أيضًا إلى الأراضي الأمريكية نفسها.. فهل توجه واشنطن ضربة استباقية لبيونج يانج؟
كوريا الشمالية تتلقى دعما روسيا يُسرّع برنامج الردع
أوضح التقرير أن بيونج يانج استفادت من نقل تقنيات وخبرات ومواد روسية متقدمة تتعلق بالصواريخ والفضاء والطاقة النووية، مما سيسرّع بشكل كبير تطوير قدراتها الردعية خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة.
كما شمل الدعم الروسي عرضًا شاملاً لتقوية برنامج كوريا الشمالية الفضائي، بما في ذلك الأقمار الصناعية ومركبات الإطلاق والتدريب التقني.
السلاح مقابل الدعم في أوكرانيا
تأتي هذه المساعدات الروسية في إطار ما وصفه التقرير بـ”المقايضة الاستراتيجية”، حيث قدّمت كوريا الشمالية كميات ضخمة من الأسلحة والمقاتلين لدعم الحرب الروسية في أوكرانيا، ما أعاد إحياء الروابط العسكرية بين البلدين بشكل غير مسبوق.
دروس من أوكرانيا: القوات الخاصة الكورية تُراكم الخبرة
أبرز التقرير أن نشر وحدات العمليات الخاصة الكورية الشمالية في روسيا مكّن هذه القوات من اكتساب خبرات عملياتية حقيقية من ساحة المعركة في أوكرانيا، وهي خبرات ستُوظف لاحقًا في تدريب القوات الكورية وتجهيزها لأي صدامات مستقبلية.
تهديد تقليدي لا يزال قائمًا
رغم التركيز على القدرات النووية، لم تُهمل الاستخبارات الأمريكية التحذير من القوات الخاصة الكورية، ووصفتها بأنها “مدرّبة تدريبًا عاليًا” و”جاهزة لتنفيذ عمليات تسلل معقدة داخل كوريا الجنوبية”، حيث تتركز القوات الأمريكية.
تجربة نووية جديدة تلوح في الأفق
من بين أبرز ما خلص إليه التقرير أن بيونج يانج أعادت تهيئة موقع تجاربها النووية، وهي مستعدة تمامًا لتنفيذ تجربة نووية سابعة في التوقيت الذي تختاره، ما يزيد من احتمالات التصعيد في شبه الجزيرة الكورية.
رباعي التهديد الجديد: كوريا الشمالية تتعاون مع روسيا والصين وإيران
حذر التقرير من أن التعاون العسكري الكوري الشمالي لا يقتصر على موسكو فقط، بل يشمل الصين وإيران أيضًا، مما يُنذر بتشكيل محور تقني وعسكري جديد يعيد رسم توازنات القوى الإقليمية.
من الانهيار الاقتصادي إلى الانتعاش عبر بوابة موسكو وبكين
رغم التحديات الاقتصادية الشديدة التي واجهتها كوريا الشمالية في التسعينيات، بما في ذلك العقوبات والكوارث الطبيعية، فقد استطاعت الحفاظ على قاعدة صناعية وتكنولوجية متقدمة.
وسمح لها ذلك بالعودة تدريجيًا إلى الساحة الدولية، خاصة مع الانفتاح الاقتصادي الصيني والدعم الروسي المتزايد في الأعوام الأخيرة.
أشارت المؤشرات الاقتصادية إلى تحسن نسبي في الوضع الداخلي الكوري الشمالي، تَمثّل في مشاريع عمرانية حديثة مثل افتتاح شارع “هواسونج” في وسط بيونج يانج منتصف عام 2024، والذي يعكس بوادر رخاء اقتصادي رغم العقوبات الغربية.
اقرأ أيضاً.. مصر تتجه نحو الغواصات الصينية “الشبحية”.. فهل تصل إلى أسطولها؟
توازن الرعب النووي يتعمّق
منذ أواخر الثمانينيات، بدأت بيونغ يانغ تطوير ترسانتها النووية، وتأكدت أول تجربة لها عام 2006. وفي 2017، عرضت قدرات لضرب البرّ الأمريكي، وهو تطور استراتيجي قلب معادلة الردع.
وواصلت كوريا الشمالية تطوير صواريخ عابرة للقارات من طراز “هواسونغ-17 و18 و19″، وأصبحت ثالث دولة تُشغل رؤوسًا انزلاقية فرط صوتية، مما زاد من دقة الضربات واحتماليتها ضد أهداف أمريكية عبر المحيط الهادئ.
تحديثات نوعية في سلاح البحرية والقطاع الدفاعي
في تحول لافت، حسّنت كوريا الشمالية من قواتها التقليدية، وأدخلت أنظمة تسليح تفوقت في بعض الجوانب على نظيراتها الروسية.
ومن أبرز الإنجازات إطلاق أول مدمرتين بحريتين في تاريخها في أبريل ومايو 2025، مجهزتين بصواريخ باليستية وكروز ودفاع جوي متطور، ما يمنحها للمرة الأولى إمكانية إسقاط قوة بحرية في أعالي البحار.
هل تقوم واشنطن بتوجيه ضربة وقائية ضد بيونج يانج؟
في ظل التسارع الكبير في برامج التسلح الكوري الشمالي وتزايد مؤشرات التعاون العسكري مع روسيا وإيران، تتزايد التساؤلات في الدوائر الأمنية الأمريكية حول ما إذا كانت واشنطن قد تلجأ إلى توجيه ضربة وقائية لتعطيل قدرات بيونج يانج قبل أن تبلغ مرحلة تشكل فيها تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة.
ورغم أن مثل هذا السيناريو محفوف بالمخاطر الجيوسياسية الكبرى، خاصة مع احتمالية رد نووي كوري شمالي أو تدخل صيني، إلا أن بعض التقارير الاستخباراتية تلمّح إلى أن أمريكا تدرس خيارات “ردع استباقي” غير تقليدي، يتضمن هجمات إلكترونية معقدة أو عمليات تخريب سرية تستهدف المنشآت النووية ومنظومات الصواريخ الباليستية.
لكن حتى الآن، لا تزال واشنطن تُفضل سياسة “الردع المحسوب” والضغط عبر العقوبات والتحالفات الإقليمية، خاصة مع عدم رغبتها في فتح جبهة عسكرية مباشرة جديدة في شرق آسيا قد تجرّ إليها بكين.
منهج ترامب .. توازن بين التصعيد والدبلوماسية
منذ عودته إلى البيت الأبيض، يتبنى الرئيس دونالد ترامب نهجًا يجمع بين التصعيد العسكري والدبلوماسية تجاه كوريا الشمالية.
فمن جهة، أعلن عن مشروع “القبة الذهبية” للدفاع الصاروخي، وهو نظام دفاعي فضائي بتكلفة تُقدّر بـ175 مليار دولار، يهدف إلى اعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات قبل وصولها إلى الأراضي الأمريكية.

هذا المشروع أثار ردود فعل غاضبة من بيونج يانج، التي وصفته بأنه “سيناريو لحرب نووية في الفضاء” ويعكس “غطرسة أمريكية.
من جهة أخرى، يُظهر ترامب استعدادًا لإعادة فتح قنوات الحوار مع الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج أون، مستندًا إلى العلاقة الشخصية التي بنياها خلال قمم سابقة.
وقد صرّح بأنه لا يزال يحتفظ بعلاقة جيدة مع كيم، معترفًا بكوريا الشمالية كـ”قوة نووية” .
إلا أن هذه التصريحات تُثير قلق حلفاء واشنطن، خاصة كوريا الجنوبية، التي تخشى أن يؤدي هذا النهج إلى تقويض الجهود الدولية لنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.
وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن إدارة ترامب تسعى لتحقيق توازن دقيق بين استعراض القوة العسكرية وفتح المجال أمام الدبلوماسية، بهدف احتواء التهديد الكوري الشمالي دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة.
اقرأ أيضاً.. روسيا تتحدى العقوبات| منظومة “بانتسير” تصل كوريا الشمالية وتحالف دفاعي يغير قواعد اللعبة