قصة نجاح استثنائية جعلت المغرب تتربع على عرش صناعة السيارات في إفريقيا

في العقد الأخير شهدت صناعة السيارات في المغرب تطورًا استثنائيًا، جعل المملكة تتربع على عرش تصدير السيارات في القارة الأفريقية، متفوقة على منافستها التقليدية جنوب إفريقيا، ولكن هذا التفوق لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتاج جهود متواصلة على مدار السنوات الماضية.

واعتمدت المملكة على استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز قطاع الصناعة، وتطوير البنية التحتية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، مما أدى إلى تحقيق إنجازات كبيرة على مستوى الإنتاج والصادرات.

تطور قطاع السيارات في المغرب

ومنذ عام 2013 بدأت ملامح الثورة الصناعية في قطاع السيارات المغربي تتضح بفضل مجموعة من الاستثمارات الهامة، أبرزها الاستثمارات التي قامت بها شركات عالمية مثل “رينو” و”بيجو ستروين”، حيث لعبت هذه الشركات دورًا محوريًا في تحويل المغرب إلى مركز تصنيع إقليمي للسيارات، حيث تم بناء مصانع كبيرة على الساحل الشمالي للمملكة، وخاصة في طنجة والقنيطرة.

في عام 2014، بلغت صادرات المغرب من السيارات حوالي 40 مليار درهم، ومع مرور السنوات تضاعفت هذه الأرقام بفضل الزيادة المستمرة في الإنتاج وتوسيع الأسواق المستهدفة.

وبحلول عام 2019، تجاوزت صادرات السيارات المغربية حاجز 70 مليار درهم، ما جعلها واحدة من أكبر القطاعات المصدرة في البلاد، وعلى الرغم من التحديات التي واجهها العالم بسبب جائحة كوفيد-19، إلا أن الصناعة المغربية استطاعت التكيف بسرعة واستعادة نشاطها، حيث شهدت عودة النمو في عام 2021، وبلغت الصادرات في هذا العام حوالي 100 مليار درهم.

اقرأ أيضًا: سلاح ذو حدين.. كيف تهدد الأموال الساخنة استقرار اقتصادات الدول؟

قفزة نوعية في عام 2023

وعام 2023 كان عامًا محوريًا بالنسبة لصناعة السيارات في المغرب، حيث سجلت صادرات السيارات المغربية رقمًا قياسيًا وصل إلى 141.76 مليار درهم، بزيادة قدرها 28% مقارنة بالعام السابق، وهذا الإنجاز جعل المغرب يتصدر القائمة كأكبر مصدر للسيارات في إفريقيا، متجاوزًا جنوب إفريقيا التي كانت تتصدر هذا القطاع لعقود طويلة.

والزيادة الكبيرة في صادرات السيارات المغربية كانت مدفوعة بالطلب المتزايد على السيارات المصدرة إلى الأسواق الأوروبية، حيث أن 90% من الإنتاج المغربي يتم توجيهه للتصدير، كما أن الطاقة الإنتاجية للمغرب بلغت 610,000 سيارة في العام، مع توقعات بزيادة هذا الرقم في السنوات القادمة ليصل إلى مليون سيارة سنويًا.

صناعة السيارات في المغرب
صناعة السيارات في المغرب

تفوق المغرب على جنوب إفريقيا

وتعد جنوب إفريقيا تقليديًا القائد في صناعة السيارات في القارة، لكن المغرب استطاعت تجاوزها بفضل استراتيجية واضحة تعتمد على الابتكار، واستقطاب الشركات العالمية، وتطوير البنية التحتية، وبحلول منتصف عام 2024، أصبحت المغرب رسميًا الدولة الأولى في إفريقيا من حيث إنتاج السيارات، بعد أن كانت جنوب إفريقيا تسيطر على هذا القطاع لسنوات طويلة.

وأحد العوامل الحاسمة التي ساهمت في تفوق المغرب هو التوجه نحو السيارات الكهربائية والبطاريات، حيث أن المغرب كانت سريعة في التكيف مع التغيرات العالمية في صناعة السيارات، حيث ركز على جذب الاستثمارات في مجال تصنيع البطاريات الكهربائية، وهذه الصناعة الحديثة من المتوقع أن تعزز مكانة المغرب كقوة رائدة في هذا المجال، خاصة مع تنامي الطلب العالمي على السيارات الكهربائية والتحول نحو الطاقة النظيفة.

أرقام المغرب التصديرية على مدار 10 سنوات

ونجحت المغرب في السنوات العشر الماضية في التقدم خطوة وبخطوة نحو توطين صناعة السيارات في المملكة، حيث زادات حصيلتها التصديرية من السيارات تدريجيا، وجاءت على النحو التالي:

2013: بلغت صادرات السيارات حوالي 40 مليار درهم.
2015: ارتفعت الصادرات إلى 50 مليار درهم بفضل الاستثمارات الجديدة في مصانع طنجة.
2017: وصلت الصادرات إلى 65 مليار درهم مع بداية تشغيل مصانع جديدة.
2019: بلغت الصادرات 70 مليار درهم واستمر النمو على الرغم من بعض التحديات العالمية.
2021: بعد جائحة كوفيد-19، تعافت الصناعة المغربية وبلغت الصادرات 100 مليار درهم.
2023: سجلت الصناعة رقمًا قياسيًا جديدًا مع صادرات بلغت 141.76 مليار درهم.
2024: النصف الأول من العام سجل صادرات بقيمة 80.54 مليار درهم.

اقرأ أيضًا: ما هي بنوك الظل وهل تهدد المصارف التقليدية؟

الاستثمارات الأجنبية ودورها في دعم الصناعة

ولعبت الاستثمارات الأجنبية دورًا كبيرًا في تطور قطاع السيارات المغربي، وعلى مدار العقد الماضي، نجحت المغرب في جذب كبرى شركات السيارات العالمية مثل “رينو” و”بيجو ستروين” و”نيسان”، التي قامت ببناء مصانع عملاقة في البلاد، وهذه الاستثمارات لم تساهم فقط في زيادة الإنتاج، بل ساعدت أيضًا في تطوير سلسلة التوريد المحلية، مما أدى إلى خلق آلاف فرص العمل وتحفيز الاقتصاد المحلي.

وعلى سبيل المثال، مصنع “رينو” في طنجة، الذي تم افتتاحه في عام 2012، يعد أكبر مصنع للسيارات في إفريقيا، بقدرة إنتاجية تصل إلى 400,000 سيارة سنويًا، كما أن شركة “بيجو ستروين” قامت بافتتاح مصنع جديد في القنيطرة في عام 2019، الذي ينتج ما يقرب من 200,000 سيارة سنويًا.

تحديات على المغرب تجاوزها

وعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققها المغرب في صناعة السيارات، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجهه، ومن بين هذه التحديات الحاجة إلى تطوير المهارات المحلية لتلبية متطلبات الصناعة المتزايدة، وكذلك الحاجة إلى تحسين البنية التحتية لتمكين نقل المواد الخام والمنتجات النهائية بكفاءة أكبر.

ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الفرص المستقبلية التي يمكن أن يستفيد منها المغرب لتعزيز موقعه في هذا القطاعن ومن أبرز هذه الفرص هو التوجه العالمي نحو السيارات الكهربائية والبطاريات، وهو ما بدأ المغرب بالفعل في الاستثمار فيه.

كما أن القرب الجغرافي للمغرب من الأسواق الأوروبية يعد ميزة تنافسية كبيرة، حيث يمكن للشركات المصنعة الاستفادة من الاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي لتصدير السيارات بدون رسوم جمركية.

وبفضل استراتيجية محكمة وجهود مستمرة لتطوير القطاع، استطاعت المغرب أن تتربع على عرش صناعة السيارات في إفريقيا، وتستعد لمزيد من النمو في السنوات القادمة.

ومن خلال التركيز على السيارات الكهربائية وجذب الاستثمارات الأجنبية، أصبح المغرب لاعبًا أساسيًا في صناعة السيارات العالمية، مما يفتح الباب أمام فرص جديدة للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية في المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى