قصف الأطفال وموتهم جوعًا.. العالم شاهد عيان على مأساة غزة| فهل يتحرك من ثباته؟

راحة مُميزة تلتقي برعب لا يُصدق
تتجلى معاناة أطفال غزة جنبًا إلى جنب مع الروتين اليومي للمراقبين البعيدين، وأطفالهم سالمون معافون. تكتب كوسليت: “كان من الممكن أن يكون هؤلاء أطفالك، أو أطفالي، أو أي طفل تعرفه، لولا حظوظ الولادة”. بينما يُسخّر الآلاف أصواتهم وأموالهم ونشاطهم لدعم عائلات غزة، تستمر الحرب على الأطفال.
تُبرز أخبار هذا الأسبوع – 14 ألف رضيع يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم وفقًا للأمم المتحدة – حقيقةً قاسية: أصبح التجويع سلاحًا حربيًا مُتعمّدًا. حتى أن منظمة هيومن رايتس ووتش وصفته بأنه “أداة إبادة”.
الإصابة المعنوية: محنة عالمية متنامية
يُبلغ عدد متزايد من الناس عن شعور جماعي بـ”الإصابة المعنوية” – وهو مصطلح كان يُقتصر في السابق على العاملين الطبيين في الخطوط الأمامية الذين يواجهون خيارات مستحيلة في ظل جائحة كوفيد-19.
أما الآن، فهو يُجسّد معاناة مشاهدة القيم والمسؤوليات التي يدّعي المجتمع تحملها – وخاصة تجاه الأطفال – تُنتهك بوحشية وعلنية، دون حيلة.
لا يوجد مكانٌ أشدّ من غزة نفسها، بين العاملين الطبيين وأولياء الأمور. إن صدمة العجز عن تقديم المساعدة – مشاهدة الأطفال يموتون من الجروح أو الجوع عندما تُحجب عنهم سبل إنقاذهم – تُشكل عذابًا يوميًا للأطباء والممرضين وعمال الإغاثة.
بالنسبة للآباء، إنه أمر لا يُصدق: أن يروا طفلًا يبكي جوعًا ويعجزوا عن تقديم الطعام أو المواساة. ولا تزال الصورة المروعة للمواليد الجدد المكدسين معًا في مستشفى الشفاء بغزة رمزًا مؤلمًا لهذه المعاناة.
أثر “الإصابة المعنوية بالوكالة”
لكن هذا الألم لا يقتصر على المتضررين مباشرةً. فهناك أيضًا تجربة عالمية واسعة الانتشار لما يُسمى “الإصابة المعنوية بالوكالة”. بالنسبة لمن يتابعون الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي من بعيد، قد يبدو التناقض بين سلامتهم وخطر غزة مُشينًا.
تصف كوسليت الليالي التي قضتها في وضع ابنها في فراشه، ثم البكاء على أطفال آخرين لن تلتقي بهم أبدًا. وتتساءل: “هل يُمكن أن يكون هذا نوعًا من الإصابة المعنوية؟”.
هذا الشعور بالعجز – وللبعض، بالتواطؤ – يثير تساؤلاتٍ صعبة حول ثمن الوقوف موقف المتفرج على الفظائع. هل تُؤدي مشاهدة المعاناة المتكررة التي لم تُحل إلى فقدان الإحساس، كما يأمل بعض السياسيين؟ أم أنها تُشعل الغضب وتُجدد الدعوات للعدالة؟
اقرأ أيضًا: ألمانيا تعرض على جامعة هارفارد حرمًا جامعيًا للمنفى بعد تصعيد ترامب
إيمانٌ مُتغيرٌ بالإنسانية
تتأمل الكاتبة في إيمانها المُتغير قائلةً: “لقد تحوّل شيءٌ شعرتُ أنه صحيحٌ بشأن الإنسانية – أن الناس طيبون بطبيعتهم، وأننا مدينون للأطفال بحمايتهم – بسبب هذا الصراع”. لقد أظهرت الحرب المستمرة حدود التعاطف عندما تتدخل السياسة، وتركت الكثيرين يعيشون حياتهم بثقلٍ لا يستطيعون التخلص منه.
يُؤدي هذا، بالنسبة للبعض، إلى فقدان الثقة ليس فقط بالحكومات والهيئات الدولية، بل بالنظام الأخلاقي نفسه. الخوف هو أن عجز العالم – أو عدم رغبته – في التصرف نيابةً عن أطفال غزة سيخلق نوعًا جديدًا من اللامبالاة، نوعًا يُخفف من حدة الغضب الذي كان يُشعَر به يومًا تجاه معاناة الأبرياء.
إلى أين نتجه من هنا؟
مع تحذير الأمم المتحدة من أن عدم دخول المساعدات إلى غزة قد يؤدي إلى وفاة 14 ألف رضيع، فإن المخاطر واضحة. فالخسائر النفسية والأخلاقية تتزايد، ليس فقط في المنطقة بل في جميع أنحاء العالم. تترك كوسليت قرائها أمام سؤالٍ عالق: ماذا نفعل بمعرفة أن التعاطف مع الأطفال، بالنسبة للبعض، له حدود سياسية؟
في حين يتجادل قادة العالم، ومع استمرار تداول صور الرعب، يُترك بقية العالم ليصارع ضميره – وما قد يعنيه هذا التقاعس الجماعي للمستقبل.