قفزة السعودية نحو الذكاء الاصطناعي.. استثمار ضخم يضع المملكة في قلب المنافسة العالمية

في خطوة جريئة تُعيد تشكيل المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي، أعلنت المملكة العربية السعودية عن إطلاق صندوق رأس مال استثماري بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي من خلال مبادرتها الوطنية للذكاء الاصطناعي “هيومين”، مشيرة إلى عزمها على أن تصبح قوة محورية في اقتصاد الذكاء الاصطناعي العالمي.
ويسلط هذا الاستثمار غير المسبوق، بدعم من صندوق الاستثمارات العامة، الضوء على التوجه الحثيث للمملكة نحو التحول الرقمي في إطار رؤية 2030.
وأكد طارق أمين، رئيس مجلس إدارة “هيومين”، على مهمة الصندوق في دعم الشركات الناشئة ذات الإمكانات العالية في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى أن المبادرة لا تهدف فقط إلى الاستثمار، بل إلى بناء منظومة عالمية للذكاء الاصطناعي متجذرة في بنية تحتية استراتيجية طويلة الأجل.
بنية تحتية ضخمة: مراكز البيانات، وقوة الحوسبة، والرقائق
يتمثل جوهر خطة “هيومين” في بناء ما يصل إلى 1.9 جيجاوات من سعة مراكز البيانات المخصصة للذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، مع خطة موسعة للتوسع إلى 6.6 جيجاوات.
وهذه الأرقام مذهلة وتتجاوز بكثير المعايير الإقليمية، مما يجعل المملكة العربية السعودية مركزا ناشئا لأجهزة الذكاء الاصطناعي.
ويجرى حاليا تطوير موقع تجريبي مجهز بـ 18,000 وحدة معالجة رسومية من “نيفديا”، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيله العام المقبل. وهذا يشير إلى التزام المملكة ليس فقط بنظرية الذكاء الاصطناعي والاستثمار فيه، بل أيضا بالعمود الفقري الحاسوبي لابتكارات الذكاء الاصطناعي المستقبلية.
شراكات عالمية استراتيجية تعزز طموحات السعودية
وتنخرط “هيومين” بالفعل في تحالفات استراتيجية رئيسية. وحتى الآن، أبرمت اتفاقيات بقيمة 23 مليار دولار مع شركات التكنولوجيا الأمريكية الرائدة، بما في ذلك “نيفديا Nvidia” و”ايه إم دي AMD” و”أمازون ويب سيرفيسزAmazon Web Services” و”كوالكوم Qualcomm”.
وتتجاوز هذه الشراكات حدود التعاون الرمزي حيث يوفر مشروع مشترك بقيمة 10 مليارات دولار مع “إيه إم دي” سعة حوسبة للذكاء الاصطناعي تبلغ 500 ميجاوات. كما ستؤدي شراكة بقيمة 2 مليار دولار مع كوالكوم إلى إنشاء مركز لتصميم الشرائح في الرياض. بينما سيدعم التزام إضافي بقيمة 5 مليارات دولار من أمازون ويب سيرفيسز تطوير منطقة مخصصة للذكاء الاصطناعي داخل المملكة.
وتضع هذه التعاونات المملكة العربية السعودية ليس فقط كعميل، بل كمطور مشارك في سلسلة القيمة العالمية للذكاء الاصطناعي، مما يعزز مكانتها كقوة تكنولوجية إقليمية.
رؤية للهيمنة العالمية: 7% من تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030
ويُعد أحد أكثر أهداف المبادرة طموحا هو إدارة 7% من إجمالي تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي العالمي بحلول عام 2030. ويشمل ذلك تطوير النماذج وقدرات الاستدلال، مما يعكس نهجًا متكاملًا للهيمنة على الذكاء الاصطناعي.
صرح طارق أمين: “من يصل إلى خط النهاية أولاً سيضمن حصة كبيرة من السوق”، مؤكدًا على الطبيعة التنافسية لهذا السباق التكنولوجي.
وتُرسّخ المملكة العربية السعودية مكانتها ليس فقط لتكون مساهما رئيسيا في ثورة الذكاء الاصطناعي، بل أيضا قائدا يتمتع بالسيطرة على البنية التحتية الحيوية والقدرة على تطوير النماذج.
الدبلوماسية التقنية والمرونة الاستراتيجية
ويتجاوز نطاق تواصل المملكة العربية السعودية شراكاتها الأولية. وتُجري المملكة حاليا محادثات نشطة مع كبرى الشركات الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل “أوبن إيه آي OpenAI” و”اكس ايه آي xAI” و”أندريسن هورويتز Andreessen Horowitz”. وتعكس هذه المفاوضات نهجا مدروسا واستراتيجيا، وليس اندفاعيا، لبناء تحالفات طويلة الأمد في مجال ابتكار الذكاء الاصطناعي.
ويضيف هذا التحول السياسي الرئيسي من قِبل إدارة ترامب، التي ألغت مؤخرا قيود التصدير على رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة، المزيد من الزخم إلى استراتيجية المملكة العربية السعودية.
ويُمكّن هذا القرار شركة “هيومين” من الحصول على أجهزة الذكاء الاصطناعي الأمريكية دون عوائق، مما يمنح الشركات السعودية وصولا بالغ الأهمية إلى أكثر الرقائق تطورا في العالم.
الأثر الاقتصادي: الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية لرؤية 2030
ووفقا لتقرير صادر عن شركة برايس ووترهاوس كوبرز، من المتوقع أن يُسهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 130 مليار دولار أمريكي في الاقتصاد السعودي بحلول عام 2030، مما يجعله ركيزة أساسية لجهود التنويع الاقتصادي واستراتيجية الابتكار الوطنية.
وتُعد خطة “هيومين” طويلة المدى جزءا لا يتجزأ من هذا التوقع، حيث تدمج تطوير البنية التحتية والاستثمار والشراكات العالمية في خارطة طريق واحدة متماسكة.