كتاب سليم بن قيس الهلالي .. أقدم كتاب في التاريخ الإسلامي أم أسطورة ملفقة؟

بين الحقيقة والوهم.. قصة أقدم شاهد مثير للجدل على الفتنة الكبرى

يعد كتاب سليم بن قيس الهلالي من أبرز المؤلفات التي أثارت جدلًا واسعًا بين علماء المسلمين، لما يحتويه من روايات وأخبار تتعلق بعصر صدر الإسلام، خاصة ما يتصل بالخلافة وأحداث الفتنة الكبرى.

فقد ظل هذا الكتاب على مدار القرون موضع أخذ ورد بين من يراه مصدرًا تاريخيًا ذا قيمة عالية، وبين من يتهمه بالتلفيق والوضع. وتكتسب دراسة هذا الكتاب أهمية خاصة لأنه يُعد من أقدم النصوص التي نُسبت إلى أحد أصحاب الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

اقرأ أيضًا: عبيد بن شرية الجرهمي… أقدم المؤرخين العرب بين الأسطورة والتاريخ

 شخصية مثيرة للجدل

تُجمع معظم المصادر الشيعية على أن سليم بن قيس الهلالي شخصية حقيقية، وأنه كان من أصحاب الإمام علي وابنه الحسن والحسين، وأنه شهد معهم أحداثًا مهمة. إلا أن مصادر سنية عديدة تشكك في وجوده أصلًا، معتبرة أن الشخصية قد تكون أسطورية أُنشئت لأهداف مذهبية.

المصادر الشيعية مثل “رجال الكشي” و”الفهرست” للنجاشي الشهير باسم “رجال النجاشي” تؤكد أن سليم هرب من بطش الحجاج بن يوسف الثقفي، وأنه لجأ إلى أبان بن أبي عياش، الذي نقل عنه كتابه.

بينما يرى نقاد الكتاب أن هذه القصة لا تخلو من ثغرات، خاصة أن أبان نفسه متهم بالضعف والوضع.

نشأة الكتاب ونسبته

بحسب الرواية الشيعية التقليدية، فإن كتاب سليم دوّن فيه شهاداته على أحداث جرت في زمن النبي ﷺ وبعد وفاته، بما في ذلك ما يتعلق بالخلافة وحقوق أهل البيت.

ويذكر أن سليم سلم كتابه إلى أبان بن أبي عياش قبل وفاته، وأوصاه أن لا يُظهره إلا للثقات.

لكن من الناحية النقدية، هناك إشكالات في نسبة الكتاب؛ إذ إن أقدم نسخة متداولة ظهرت في القرن الثاني أو الثالث الهجري، وهي مليئة بأسانيد تنتهي غالبًا إلى أبان وحده، ما يثير التساؤلات حول مدى صحة نسبته إلى سليم.

محتوى الكتاب

يتضمن الكتاب روايات حول نصوص مزعومة لخطبة النبي ﷺ في غدير خم أحداث السقيفة وموقف بعض الصحابة، ووصايا الإمام علي ووصية النبي له.

كما يتضمن الكتاب روايات حول مقتل سيدنا عثمان بن عفان وحروب الإمام علي خاصة جرب صفين واستشهاد الإمام الحسين في كربلاء.

كثير من هذه الروايات تتعارض مع ما ورد في كتب الحديث والتاريخ السنية المعتبرة، كما أنها تتسم أحيانًا بالسرد المطوّل الذي لا يخلو من المبالغات.

غلاف الكتاب - متداول
غلاف الكتاب – متداول

موقف علماء السنة

غالبية علماء السنة رفضوا نسبة الكتاب إلى سليم، ورأوا أنه من وضع أبان بن أبي عياش، الذي وصفه شعبة بن الحجاج بـ”الكذاب”.

وذكر ابن حبان في صحيحه أنه كان يروي الموضوعات عن الصحابي الجليل أنس بن مالك وغيره. ولذلك اعتبروا الكتاب مليئًا بالافتراءات التي تستهدف الطعن في كبار الصحابة وإثارة النعرات.

الإشكال الأبرز أن كل روايات الكتاب تمر عبر أبان بن أبي عياش، وهو راوٍ ضعيف جدًا عند الفريقين. كما أن بعض الروايات في الكتاب تحمل صياغة متأخرة لا تنسجم مع أسلوب القرن الأول الهجري، ما يشير إلى احتمال إدخال إضافات لاحقة.

موقف علماء الشيعة

عدد من علماء الشيعة الكبار تعاملوا مع الكتاب بحذر؛ فالشيخ المفيد في “تصحيح الاعتقاد” أشار إلى أن الكتاب لا يعتمد عليه كله، وأن فيه أحاديث موضوعة. أما المجلسي في “بحار الأنوار” فقد نقل منه بكثرة، لكنه أشار إلى ضرورة التمحيص.

هذا الموقف يعكس أن القبول المطلق للكتاب لم يكن سائدًا حتى داخل التراث الشيعي.

اقرأ أيضًا: كيف أسقط نقش أبرهة الحبشي محاولة المستشرقين التشكيك في القرآن؟

أثر الكتاب في الجدل

رغم الجدل حول صحته، لعب الكتاب دورًا بارزًا في الجدل السني الشيعي، إذ استندت إليه العديد من المؤلفات الشيعية في إثبات النص على علي بن أبي طالب بالإمامة حسبما يعتقد الشيعة.

وقد أعيد طبعه في العصر الحديث مرات عديدة، خاصة في إيران ولبنان، مع تقديم شروح وتعليقات تبرر محتواه.

الباحثون المعاصرون عند الشيعة، مثل محسن الأمين وعبد الزهراء الكعبي حاولوا الدفاع عن الكتاب، معتبرين أن الطعن فيه يعود لأسباب مذهبية. بينما يرى باحثون آخرون من أهل السنة والجماعة مثل إحسان عباس أنه نص متأخر أُدخلت عليه تعديلات، وأنه لا يمثل شهادة معاصرة للأحداث.

 

زر الذهاب إلى الأعلى