“سلامة”.. كلمة السر في خداع إسرائيل وتحقيق النصر في حرب أكتوبر 73

كشفت وثائق حرب أكتوبر 1973 التي رفعت مصر عنها السرية مؤخراً عن تفاصيل خطة الخداع الإستراتيجي التعبوي، والتي أطلق عليها إسم “سلامة”، ونفذتها الدولة المصرية بكافة أجهزتها ومؤسساتها لتضليل اسرائيل عن العملية القتالية الرئيسية للجيش المصري “جرانيت 2 المعدلة”.

وبحسب الوثائق التي أطلعت عليها “خاص عن مصر” يتمثل الغرض الأساسي من عملية الخداع الإستراتيجي والتعبوي في إخفاء فكرة العمليات الهجومية الإستراتيجية بكل من مصر وسوريا لتحرير الأراضي المحتلة وخداع وسائل إستطلاع العدو عن نوايا الحشد وتعبئة القوات المسلحة وفتحها الإستراتيجي والتعبوي.

الهدف من العملية الخداعية لحرب أكتوبر

ووضعت هيئة العمليات بالقوات المسلحة الخطة “سلامة” مستهدف بذلك تحقيق عدة أهداف، من بينها إخفاء عمل الدولة للقيام بالعمل الهجومي، إخفاء أعداد تجهيز القوات المسلحة للعمليات، خداع العدو عن التوقيت المخطط لبدء العمليات الهجومية الإستراتيجية للحصول على المبادأه، مع إخفاء شكل وحجم واتجاه العمليات الهجومية المخططة.

"سلامة".. كلمة السر في خداع إسرائيل وتحقيق النصر في حرب أكتوبر 73

مستويات عملية الخداع الإستراتيجي والتعبوي “سلامة”

وتنقسم العملية “سلامة” إلى ثلاث مستويات مختلفة، الأول “الخداع الإستيراتيجي”، وتكون مسؤولة عنه القيادة السياسية العليا بالإشتراك مع القيادة العامة للقوات المسلحة بحيث يتماشى هذا التخطيط مع الأهداف السياسية للدولة.

أما مستوى الخداع الثاني، وهو الخداع التعبوي، تقوم بتنفيذه الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة والتشكيلات التعبوية وأجهزة القيادة العامة.

ويأتي المستوى الأخير، وهو الخداع التكتيكي، ويتم تخطيطه وتنفيذه بواسطة أفرع القوات المسلحة والتشكيلات الميدانية المختلفة.

وتتضمن أساليب تنفيذ خطة للخداع، الإخفاء، الذي يعد أحد الأساليب الرئيسي ويهدف لإخفاء النوايا والأعمال الحقيقية بطرق مختلفة، التقليد، وهو تقليد العمليات الحقيقية بشكل مخادع، والتظاهر، وهو التظاهر بإجراء أعمال حقيقية بغرض جذب نظر العدو لإتجاهات مختلفة.

أعمال الخداع الإستراتيجي والتعبوي

وتضمنت مراحل العملية “سلامة” للخداع الإستراتيجي والتعبوي، قيام الجيوش الميدانية والمناطق العسكرية بتحركات وتنقلات للوحدات العسكرية والأفراد، وإعادة تمركز لتشكيلاتها، ومن بينها تشكيلات قوات الدفاع الجوي للتمركز بمواقع هيكلية يتم إقامتها بشكل مستمر، وعمل ترشيحات لأعداد من الضباط لأكاديمية ناصر بواسطة إدارة شؤون الضباط مع إعلان فتح دورة جديدة من الأكاديمية، وإجراء تجارب تعبئة الدفعات المسرحة طبقا لتوقيتات محددة مع إستدعاء جزء من الإحتياط.

كما شملت الخطة إستمرار تنظيم زيارات طلبة المدارس والجامعات للجبهة المصرية وفتح الباب لمباريات رياضية والنشر عنها في الصحف المدنية والقومية، وتنفيذ طلعات جوية تدريبية مكثفة ومستمرة في إتجاه الشرق ليعتاد العدو الإسرائيلي على وجود نشاط جوي قرب القناة والطلب من الملحقيات الحربية في الداخل والخارج التعاقد على أسلحة ومعدات معروف أنه لا يمكن توريدها قبل نهاية عام 1973، والإعلان عن سفر وفد عسكري رفيع المستوى برئاسة وزير الحربية أو رئيس أركان حرب القوات المسلحة لإحدى البلدان العربية وعمل جميع الترتيبات الخاصة بها بينما لا تتم الزيارة في الحقيقة.

خطة القوات الجوية لخداع إسرائيل قبل حرب أكتوبر

وتضمنت خطة القوات الجوية المصرية لخداع اسرائيل عن الهدف والمهمة الرئيسية لها خلال الحرب، إجراء بحث عن إمكانية إقامة مطارات جديدة في العمق على الإتجاه الإستراتيجي الغربي لتتمركز بها طائرات الدعم أو الطائرات التي تستورد من الإتحاد السوفيتي، إظهار الإهتمام بالإنتهاء من الإنشاءات في مطاري المنيا وأسيوط لتدعيم الدفاع عن المنطقة الوسطى.

وشملت الخطة خداع العدو الإسرائيلي عن إتجاه الضربات الجوية المصرية، حيث تضمنت زيادة الزيارات للمنطقة الجنوبية الجوية والغردقة مع إظهار الإهتمام بتدعيم السيطرة بين مطارات المنطقة للإيحاء بالدور الرئيسي لقوات المنطقة في العمليات المقبلة.

كما تضمنت الخطة زيادة النشاط الجوي في المنطقة الجنوبية، وتنفيذ رحلات إختراق ضاحية للقاذفات وأسراب المقاتلات القاذفة مع إعادة الملئ في أحد مطارات المنطقة.

خداع العدو عن توقيت الهجوم الجوي: وتحقق ذلك من خلال تسريب معلومات عن عدم إستعداد الطائرات المشاركة في العملية لنقص أنواع رئيسية من المعدات وإحتياج الطيارين لمدة 4 أشهر من التدريب المركز، إشاعة معلومات تربط بين توريد الطائرات المتعاقد عليها من الإتحاد السوفيتي وبين الإستعداد لبدء العملية الهجومية، والاعلان عن إستكمال منشآت جديدة في مطارات “فايد وكبريت”.

الخطوط العريضة للخداع السياسي والإعلامي المصري لإسرائيل

شملت خطة الخداع الإستراتيجي لحرب أكتوبر، قيام كل من القيادة السياسية ووزارة الخارجية المصرية وجامعة الدول العربية باتخاذ عدد من الإجراءات في إطار عملية التضليل والخداع، والتي شملت تنشيط التحركات السياسية والدبلوماسية لترجيح الحلول السلمية، واستمرار الاتصالات الدبلوماسية المكثفة مع الدول الشرقية والغربية ودول عدم الإنحياز بغرض تأكيد وجهة النظر العربية بشأن التسوية السلمية مع إظهار المرونة والرغبة في التوصل للحلول السلمية سواء كانت جزئية أو كلية.

كما نصت الخطط – بحسب الوثائق التي أطلعت عليها “خاص عن مصر” – على معاودة التوسط عن طريق الدول العربية التي تمتلك علاقات صداقة مع الدول الغربية، للاتصال بأمريكا والدول الغربية الأخرى لإظهار نية دول المواجهه قبول الحل السلمي.

وتضمنت توجيهات خطة الخداع الإستراتيجي التعبوي “سلامة” قيام وزارة الإعلام بإظهار التناقضات في الجبهة العربية بالقدر اللازم دون الإضرار بالعلاقات الحقيقية للدول العربية أو العمليات المشتركة، وإستغلال القيادة السياسية لعدم جدوي إنعقاد مؤتمر قمة عربي قبل تصفية الخلافات والمتناقضات بين دول العالم العربي.

كما تقوم وزارة الإعلام بالعمل على تضخيم المنازعات بين الدول العربية بقصد إظهار التناقضات بما يوصي بصعوبة تنفيذ العمل العربي الموحد ضد إسرائيل في ذلك الوقت، وتسليط الضوء على المشكلات بين الدول العربية مثل مشكلة الحدود بين العراق والكويت، مشاكل اليمن الشمالية والجنوبية، مشكلة السودان ومنظمة تحرير فلسطين.

وتقوم وسائل الإعلام المحلية بإبراز المشاكل التي تواجه إعداد الجبهة الداخلية وإيجاد حلول تستغرق فترة طويلة نسبياً مع قيام القيادة السياسية بإبراز سياسات طويلة الأمد لأعداد أجهزة الدولة والقوات المسلحة والشعب للمواجهة الشاملة.

زر الذهاب إلى الأعلى