ما وراء الكواليس.. كيف أعادت مصر وروسيا إحياء مشروع مدينة الشمس بقناة السويس؟
يعد مشروع المنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس، والمعروف باسم “مدينة الشمس”، واحدًا من أبرز مشروعات التعاون الاقتصادي بين روسيا ومصر في السنوات الأخيرة.
وهذا المشروع الذي طرح لأول مرة في عام 2018، يهدف إلى توطين الصناعات الروسية في مصر، وتعزيز قدرة الشركات الروسية على الوصول إلى الأسواق الأفريقية والشرق أوسطية من خلال موقع قناة السويس الحيوي.
ولكن المشروع واجه تحديات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع تصاعد الأزمة الأوكرانية وفرض العقوبات الغربية على روسيا، ولكن تم تعديل الاتفاقية وإدخال طرف روسي جديد للتحايل على العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
وفي هذا التقرير من خاص عن مصر، نرصد المشروع من البداية والعثرات التي واجهها قبل الإنفراجة الأخيرة والعودة للعمل مرة أخرى.
اقرأ أيضًا: منافسة محتدمة بين 4 شركات للفوز بإعادة تأهيل شركة “الدلتا للأسمدة”
بداية الحلم بـ “مدينة الشمس”
وفي عام 2018، وقعت روسيا ومصر اتفاقية لإنشاء منطقة صناعية روسية في محور قناة السويس، ووضع المشروع ليكون مركزًا صناعيًا كبيرًا، يسمح للشركات الروسية بإنشاء مصانع وتسهيل تصدير منتجاتها إلى الأسواق المجاورة.
وبلغت التوقعات الأولية لاستثمارات المشروع نحو 7 مليارات دولار على مدار 50 عامًا، وكان من المخطط أن يشمل المشروع إنشاء مصانع للصناعات الثقيلة، خاصة في مجالات مثل السيارات، والصناعات المعدنية، والبتروكيماويات.
والموقع الجغرافي للمنطقة، بالقرب من قناة السويس، كان أحد العوامل الرئيسية في جذب روسيا لهذا المشروع، حيث أن قناة السويس تعتبر من أهم الممرات المائية العالمية، حيث يمر عبرها ما يقرب من 20% من التجارة البحرية العالمية.
وإنشاء هذه المنطقة الصناعية بالقرب من القناة كان يهدف إلى تسهيل الوصول إلى الأسواق الأوروبية، الأفريقية، والآسيوية، ما يمنح الشركات الروسية ميزة تنافسية كبيرة.
التحديات التي واجهت المشروع
ورغم أن المشروع كان يحمل في طياته آفاقًا واعدة، إلا أن عدة عوامل أدت إلى تعثره، أبرز هذه العوامل كان الأزمة الروسية الأوكرانية التي اندلعت في عام 2022، والحرب تسببت في فرض عقوبات غربية صارمة على روسيا، مما أدى إلى تعقيدات في تمويل المشروع ونقل التكنولوجيا والمواد اللازمة، وفقًا لوكالة تاس الروسية.
وأدى فرض العقوبات الغربية إلى تراجع بعض البنوك والمؤسسات المالية الروسية عن المشاركة في تمويل المشروع، كما أن البيئة الدولية المتوترة جعلت مصر حذرة من الارتباط الوثيق بروسيا في هذا الوقت الحرج، خشية التعرض لضغوط دولية.
اقرأ أيضًا: إعادة الحياة إلى الصناعة المصرية.. الدولة تتحرك لدعم 5800 مصنع متعثر
محاولة لتجاوز العقوبات
وفي ظل التحديات التي واجهها المشروع بسبب العقوبات الغربية، اتجهت روسيا ومصر إلى تعديل الاتفاقية الأصلية في محاولة لتجاوز هذه العقوبات والمضي قدمًا في تنفيذ المشروع، والتعديل الأبرز كان تغيير الطرف المنفذ للمشروع إلى بنك “VEB”، وهو بنك حكومي روسي، وذلك بهدف تفادي القيود التي تفرضها العقوبات على المؤسسات المالية الروسية الكبرى.
ووفقًا لوسائل الإعلام الروسية، فإن بنك “VEB” لا يخضع للعقوبات الغربية بنفس القدر الذي تخضع له بعض البنوك الروسية الأخرى، مما يتيح له القدرة على تمويل المشروع وتسهيل العمليات المالية المتعلقة به دون التعرض للعراقيل المالية الدولية.
وهذه الخطوة تعكس محاولة من روسيا للاستمرار في تنفيذ المشروع الضخم رغم العقوبات المفروضة عليها.
تعويض خسائر الحرب بمشروع مدينة الشمس
وبعد تعديل الاتفاقية وتغيير الطرف المنفذ إلى “VEB”، من المتوقع أن تبدأ الأعمال الإنشائية في المنطقة الصناعية قريبًا، في حين تشير التقارير إلى أن روسيا ما زالت ملتزمة تمامًا بالمضي قدمًا في المشروع، حيث ترى فيه فرصة استراتيجية لتعزيز وجودها الاقتصادي في المنطقة، بالإضافة إلى تعويض بعض الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها نتيجة العقوبات.
المشروع لا يزال يحمل أهمية كبيرة لمصر أيضًا، حيث يعزز دور المنطقة الاقتصادية لقناة السويس كمنطقة جذب للاستثمارات الدولية، ومن المتوقع أن يؤدي المشروع إلى توفير فرص عمل كبيرة في مصر، وزيادة الصادرات المصرية من خلال التعاون مع الشركات الروسية.
كما يتوقع أن يسهم المشروع في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا، خصوصًا في ظل سعي الدولتين إلى تعزيز تعاونهما في مجالات متعددة، بما في ذلك الطاقة والنقل.
اقرأ أيضًا: مستقبل شركات قطاع الأعمال العام في مصر.. تطوير أم تصفية؟
هل ينجو المشروع من العقوبات؟
ورغم التفاؤل بتعديل الاتفاقية وتغيير الطرف المنفذ، إلا أن المشروع لا يزال يواجه عدة تحديات، منها أن العقوبات الغربية قد تتوسع لتشمل المزيد من المؤسسات الروسية، بما في ذلك بنك “VEB”، وهو ما قد يؤدي إلى تعطيل المشروع مرة أخرى.
وعلاوة على ذلك، يعتمد نجاح المشروع على قدرة روسيا على توفير التمويل والتكنولوجيا اللازمة لإنشاء المصانع وتطوير البنية التحتية المطلوبة.
وفي ظل العقوبات المفروضة على روسيا، قد يكون من الصعب الحصول على المعدات والتكنولوجيا الحديثة من الشركات الغربية، مما قد يؤثر على جودة وكفاءة المصانع التي سيتم إنشاؤها في المنطقة، وهو ما أشارت إليه وكالة تاس.
وفي النهاية، يمثل مشروع المنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس فرصة استراتيجية لكل من روسيا ومصر، ورغم التحديات الكبيرة التي واجهها المشروع نتيجة العقوبات الغربية، فإن التعديلات الأخيرة في الاتفاقية وتغيير الطرف المنفذ تشير إلى رغبة جدية من كلا الجانبين في استكمال المشروع والمضي قدمًا في تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما.
ولكن يبقى النجاح النهائي للمشروع معتمدًا بشكل كبير على التطورات الجيوسياسية في المستقبل، وقدرة روسيا على تجاوز العقوبات والمضي قدمًا في تنفيذ مشاريعها الاقتصادية العالمية.