صحة وتغذية

كيف قضت مصر علي الملاريا بعد قرن من المحاولة.. وباء تاريخي قتل الملك توت عنخ آمون

أشادت المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية بالنظام الصحي القوي في مصر كعوامل رئيسية لهذا النجاح

القاهرة (خاص عن مصر)- حققت مصر إنجازًا تاريخيًا ملحوظًا في مجال الصحة العامة بإعلان منظمة الصحة العالمية خلو البلاد من الملاريا. ويمثل هذا الإعلان تتويجًا لجهود مخلصة استمرت قرابة قرن من الزمان للقضاء على الملاريا، وهو المرض الذي ابتلي به مصر منذ العصور القديمة، وفقا لما نشرته وكالة فرنس 24.

أشاد الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، بهذا الإنجاز ووصفه بأنه “تاريخي”، مؤكدًا على أهمية هذه الشهادة في ضمان مستقبل أكثر صحة للمصريين.

السياق التاريخي للملاريا في مصر

تعود جذور الملاريا التاريخية العميقة في مصر إلى الحضارة القديمة. وبحسب ما نشرته صحيفة تليجراف البريطانية، يُعتقد أن الملك توت عنخ آمون، الفرعون الشاب الذي حكم منذ أكثر من 3000 عام، ربما كان قد أصيب بالمرض. وتؤكد الأدلة على وجود الملاريا في المومياوات المصرية القديمة والسجلات المكتوبة أن المرض كان متوطنًا في عهد الفراعنة.

أقرا أيضا.. اقتصاديًا وليس سياسيًا.. مصر تسعى أن تكون البريكس صوتاً للجنوب العالمي  

بدأت المعركة ضد الملاريا في مصر بجدية في عشرينيات القرن العشرين عندما اتُخذت التدابير الأولية للسيطرة على أعداد البعوض. وشملت هذه التدابير حظر زراعة الأرز والممارسات الزراعية الأخرى التي خلقت بيئة مثالية لتكاثر البعوض بالقرب من المناطق الحضرية.

مع ذلك، حدث انتعاش كبير للملاريا أثناء الحرب العالمية الثانية، مما أسفر عن أكثر من ثلاثة ملايين إصابة في عام 1942 بسبب نزوح السكان وانقطاع الرعاية الصحية.

شهادة منظمة الصحة العالمية وأهميتها

إن شهادة منظمة الصحة العالمية لخلو مصر من الملاريا مهمة، حيث تعترف بنجاح انقطاع سلسلة انتقال المرض التي تحملها بعوضة الأنوفيلة لمدة ثلاث سنوات متتالية على الأقل. تعد مصر هي الدولة الرابعة والأربعين والثالثة في إقليم شرق المتوسط ​​لمنظمة الصحة العالمية التي تحصل على هذا التصنيف، لتنضم إلى المغرب والإمارات العربية المتحدة.

أشادت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، بالنظام الصحي القوي في مصر والاستثمارات في المراقبة كعوامل رئيسية في هذا النجاح. لقد كانت “رؤية الحكومة المصرية وتفانيها ووحدتها” حاسمة في التغلب على التحديات التي فرضها المرض على مدى عقود من الزمن.

استراتيجيات حديثة للقضاء على المرض

تضمنت الاستراتيجيات الحديثة التي نفذتها مصر برامج واسعة النطاق لمكافحة النواقل، والإدارة البيئية، ومبادرات الصحة العامة. وتم تخصيص موارد كبيرة لرش المبيدات الحشرية وتجفيف المناطق المستنقعية التي وفرت أرضًا خصبة لتكاثر البعوض. وقد تكثفت هذه الجهود بشكل خاص في المناطق الأقرب إلى نهر النيل، حيث تركزت حالات الملاريا تاريخيًا.

وعلاوة على ذلك، أظهر إنشاء لجنة عليا لإدارة النواقل المتكاملة في عام 2016 التزام مصر بالمراقبة المستمرة والسيطرة على مجموعات البعوض. وكما أبرز البروفيسور بوب سنو، عالم الأوبئة في جامعة أكسفورد، فإن “التنمية الاقتصادية السريعة والتحضر” قد غيرا المشهد الخاص بالملاريا في مصر والشرق الأوسط الأوسع.

التحديات المستقبلية

على الرغم من هذا الإنجاز، يحذر الخبراء من الرضا عن الذات. وحذر البروفيسور سنو من أنه في حين انخفضت حالات الملاريا بشكل كبير، إلا أن احتمالات ظهورها مرة أخرى لا تزال قائمة. “وقال إن الملاريا قد تعود بالتأكيد”، مؤكداً على الحاجة إلى اليقظة المستمرة والاستثمار في مراقبة النواقل.

ويتفاقم الخطر بسبب تغير المناخ وزيادة تنقل البشر، مما قد يعيد إدخال الملاريا إلى المناطق التي تم القضاء عليها سابقًا. وعلى هذا النحو، فإن الحفاظ على البنية التحتية القوية للصحة العامة سيكون ضروريًا لضمان عدم عكس التقدم المحرز.

المنظور العالمي للقضاء على الملاريا

يسلط إعلان منظمة الصحة العالمية الضوء أيضًا على سياق عالمي أوسع. في حين تحتفل مصر بهذا الإنجاز، لا تزال الملاريا تشكل تهديدًا كبيرًا في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تسبب المرض في 608000 حالة وفاة ونحو 250 مليون إصابة في عام 2022. تحدث معظم الوفيات في عدد قليل من البلدان، ولا سيما نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتنزانيا.

إن إدخال اللقاحات والعلاجات الفعالة، جنبًا إلى جنب مع جهود مكافحة النواقل المستدامة، يمنح الأمل في استمرار التقدم في مكافحة الملاريا على مستوى العالم. تعمل دول مثل مصر كمنارة لما يمكن إنجازه من خلال مبادرات الصحة العامة الشاملة والمنسقة.

زر الذهاب إلى الأعلى