كيف كان أداء سوق الأسهم في أول مائة يوم من رئاسة ترامب؟

بعد مرور 100 يوم على بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بلغ سوق الأسهم الأمريكي نقطة حرجة، حيث سجل أحد أسوأ أداءاته خلال فترات الرئاسة في تاريخ البلاد الحديث، ووفقًا لتحليل صادر عن شركة CFRA للأبحاث المالية، فقد انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 7.9% منذ يوم التنصيب وحتى 25 أبريل، وهو ما يمثل ثاني أسوأ أداء للمؤشر خلال أول مائة يوم من ولاية رئاسية خلال الثمانين عامًا الماضية، حيث كان الانخفاض الأكبر كان في بداية الولاية الثانية للرئيس “ريتشارد نيكسون” في عام 1972 عندما تراجع المؤشر بنسبة 9.9%.

ويُعد أداء السوق في المائة يوم الأولي للفترة الثانية لترامب تراجعًا كبيرًا مقارنة ببداية الولاية الأولى لترامب في عام 2016، حيث ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 حينها بنسبة 5% خلال نفس الفترة.

منذ عام 1944 شهدت سبع ولايات رئاسية فقط تراجعًا في مؤشر ستاندرد آند بورز خلال أول 100 يوم، مقابل 14 ولاية حققت خلالها أسواق تداول الاسهم مكاسب، وتُعد فترة ترامب الثانية هي الأولى التي تسجل أداءً سلبيًا منذ ولاية الرئيس “جورج دبليو بوش” الثانية في عام 2004 والتي شهدت تراجعًا بنسبة 1.6%.

وكان أفضل أداء للمؤشر خلال أول 100 يوم قد تحقق في عام 1944 حين كان الرئيس “فرانكلين روزفلت” في منصبه قبل وفاته في أبريل من نفس العام وخلفه “هاري ترومان”، حينها ارتفع المؤشر بنسبة 10.4%، ومن بين الرؤساء الذين سجلت ولاياتهم الأولى مكاسب بارزة خلال الفترة ذاتها: جون كنيدي (8.9%) وجو بايدن (8.5%) وباراك أوباما (8.4%)، أما الرئيس الجمهوري الوحيد الذي نجح في تحقيق أداء إيجابي في أول 100 يوم من فترتيه الرئاسيتين فكان “رونالد ريغان” الذي سجل مكاسب بنسبة 0.9% في ولايته الأولى و 5% في الثانية.

وفي تقريره، أشار كبير استراتيجيي الاستثمار في  CFRA”سام ستوفال” إلى أن أداء السوق في أول 100 يوم قد لا يكون بالضرورة مؤشرًا دقيقًا لما سيحدث لاحقًا، لكنه يحمل دلالات مهمة، فقد أظهرت البيانات التاريخية أن المؤشر ارتفع بمعدل 3.2% خلال الـ100 يوم التالية، وكان إيجابيًا في 65% من الحالات.

ويوضح ستوفال أن المكاسب القوية في بداية الولاية غالبًا ما ترتبط بعوائد سنوية مرتفعة حيث يبلغ المتوسط 21.1%، في حين أن البداية الضعيفة تؤدي في كثير من الأحيان إلى تراجع سنوي قدره 5.5%، ومع ذلك، يشير إلى أن الأداء السلبي في أول مائة يوم لا يعني بالضرورة عامًا سيئًا، إذ سجلت بعض الحالات مكاسب سنوية تصل إلى 22% رغم الانطلاقة الضعيفة.

الرسوم الجمركية تزيد الضغوط على الأسواق

وتأتي هذه النتائج المخيبة للسوق في ظل اضطرابات اقتصادية أثارتها السياسات التجارية للإدارة الأمريكية، فقد أثرت الجهود التي يبذلها ترامب لإعادة صياغة العلاقات التجارية العالمية، من خلال فرض رسوم جمركية شاملة، سلبًا على ثقة المستثمرين وخلقت حالة من الغموض حول مستقبل الاقتصاد.

ورغم أن ترامب قدّم في خطابه أمام الكونغرس في مارس تفسيرًا دفاعيًا لهذه السياسات، مؤكدًا أن الهدف منها هو “إعادة إثراء أمريكا”، إلا أن عدم وضوح المدى الزمني للرسوم الجمركية واحتمال تصعيد النزاعات التجارية زادا من حدة القلق في الأسواق، وقال ترامب حينها: “قد يكون هناك بعض الاضطراب، لكننا لا نمانع ذلك ولكن الهدف هو جعل أمريكا عظيمة مجددًا، وهذا يحدث بسرعة”.

ومع استمرار هذه الظروف، تتجه أنظار المستثمرين إلى الأشهر المقبلة وسط تساؤلات حول ما إذا كان السوق سيتمكن من استعادة توازنه، أو ما إذا كان سينساق نحو المزيد من التراجع نتيجة الضبابية التي تلف السياسة الاقتصادية الأمريكية.

الأسواق العالمية تستعد لمئة يوم ثانية من حكم ترامب وسط حالة من الارتباط

شهدت الأسواق العالمية اضطرابات كبيرة خلال أول مئة يوم من الولاية الثانية للرئيس “دونالد ترامب”، حيث تسببت السياسات الجمركية المثيرة للجدل في تآكل تريليونات الدولارات من قيمة الأصول الأمريكية، ومع دخولنا في المئة يوم الثانية يُتوقع أن تهدأ وتيرة التقلبات، لكن المحللين يحذرون من أن الأسواق قد تستهين بمخاطر التراجع المحتملة.

أنهت وول ستريت والدولار الأمريكي هذه الفترة بأداء ضعيف، إذ أعادت المؤسسات المالية العالمية تقييم مدى جاذبية الأصول الأمريكية، فبالرغم من تسجيل بعض المؤشرات مثل ستاندرد آند بورز 500 لمستويات قياسية في الأسابيع الأولى بعد تنصيب ترامب في يناير، إلا أن أداء السوق الأمريكي كان الأسوأ خلال أول مئة يوم من رئاسة أي رئيس أمريكي منذ بداية ولاية ريتشارد نيكسون الثانية في عام 1973، كما تراجع مؤشر الدولار الأمريكي بما يقارب 10% خلال الفترة نفسها.

في المقابل، أظهرت بعض الأسواق العالمية مرونة أكبر، فقد انخفض مؤشر MSCI العالمي بنسبة 3% فقط منذ يوم التنصيب، فيما سجلت مؤشرات أخرى مكاسب ملحوظة حيث ارتفع مؤشر DAX الألماني ومؤشر Sensex الهندي ومؤشر MSCI الآسيوي باستثناء اليابان بنسب تراوحت بين 2% و 7%، كما ظلت الأسواق الصينية والبريطانية والأوروبية عمومًا مستقرة، خاصة بعد أن تراجع ترامب عن بعض تصريحاته المتشددة وخفف من لهجته السياسية.

ورغم هذا الانتعاش النسبي للسوق، يرى عدد من الخبراء أن ثقة المستثمرين قد تكون مفرطة في التفاؤل، وأن المرحلة المقبلة قد تحمل تحديات جديدة للأسواق العالمية إذا استمرت حالة عدم اليقين بشأن السياسة الاقتصادية والتجارية الأمريكية.

طريق محفوف بالتحديات

رغم أن الفوضى المرتبطة بسياسات الرسوم الجمركية قد تكون بلغت ذروتها، إلا أن البيئة التجارية العالمية ما زالت بعيدة عن الاستقرار، حتى في حال خفض بعض الرسوم فإن المعدلات الحالية للرسوم تبقى من بين الأعلى منذ عقود مما يُبقي على التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين (أكبر اقتصادين في العالم) مشتعلة دون مؤشرات واضحة على انفراج وشيك، وفي هذا السياق، يبدو أن الأسواق المالية العالمية لا تعكس بالكامل حجم المخاطر الاقتصادية الناتجة عن هذه التوترات ولا التباطؤ المحتمل في النمو العالمي.

ورغم تراجع تقييمات الأسهم العالمية منذ بداية العام، لم يكن هذا الانخفاض كبيرًا بما يعكس حجم التحديات، بل إن مضاعفات أرباح الشركات الأوروبية بدأت بالارتفاع مرة أخرى، في الولايات المتحدة، تستمر التوقعات بتحقيق أرباح قياسية حيث تقترب تقديرات الأرباح المستقبلية لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 من 280 دولار للسهم وهو مستوى غير مسبوق.

السؤال هنا: هل تعكس هذه التقديرات ثقة حقيقية في مرونة الاقتصادين الأمريكي والعالمي أم أن الأسواق تعيش نوعًا من الاطمئنان الزائف؟، يقول الخبراء أن ما يحدث هو حالة من التراخي والرضا المفرط، خصوصًا في ظل محدودية الدعم المالي والنقدي في الولايات المتحدة مقارنة بالمراحل السابقة، ووفقًا لتقديرات المحللين، فإن فرص ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على المدي القريب لا تتجاوز 5% بينما يقدّر احتمالات الهبوط بنحو 10%، يقول أحد المحللين أن الأسواق انتقلت من تسعير كمية معقولة من الأخبار السلبية عندما لامست القيعان، إلى موقع يوفر حماية أقل بكثير في حال تفاقمت التحديات الاقتصادية.

وتدعم هذه النظرية مجموعة من المؤشرات المقلقة مثل: التدهور المفاجئ في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، الغموض الواسع الذي أربك الأسر والشركات مع بدء الولايات المتحدة مفاوضات بشأن عشرات الاتفاقيات التجارية، فضلاً عن مراجعات صندوق النقد الدولي الأخيرة التي خفّضت تقديرات النمو العالمي، ورغم أن احتمالات الركود الكامل قد تظل منخفضة، إلا أن شبح “الركود التضخمي” أي تباطؤ النمو مصحوبًا بارتفاع الأسعار لا يزال خطرًا قائمًا يجب عدم تجاهله.

السوق بين التفاؤل والحذر

يفترض السيناريو المتفائل أن الفترة المضطربة التي شهدتها الأسواق خلال المئة يوم الأولى من ولاية ترامب الثانية كانت تمثل “ذروة ترامب” أي الحد الأقصى من الفوضى والاضطراب السياسي والاقتصادي، في هذا السيناريو، يُتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة قدرًا أقل من التقلبات، وأن تتراجع التوترات مع خصوم الولايات المتحدة وحلفائها على حد سواء، ما يُمهّد عودة تدريجية من الاستقرار النسبي في النظام العالمي.

وقد بدأت بعض مؤشرات هذا الهدوء في الظهور بالفعل، فقد تراجع تأثير “إيلون ماسك” على توجهات البيت الأبيض، خاصة مع تقليصه لالتزامه تجاه فترة DOGE ، كما خفف ترامب من نبرته العدائية تجاه رئيس الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” وباتت لهجة الإدارة تجاه ملف الرسوم الجمركية أكثر تصالحية ومرونة، ونتيجة لذلك، يرى بعض المراقبين أن أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى باتت تبدو مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية، وأن الشكوك التي أحاطت بدور الدولار كملاذ آمن قد تم تضخيمها أكثر من اللازم.

ولا يزال الاقتصاد الأمريكي يحتفظ بمكانته كأكثر الاقتصادات ابتكارًا وحيوية على مستوى العالم، إلى جانب تحفيزات مالية مرتقبة في كل من أوروبا والصين، ما قد يدفع البعض للتساؤل: هل حان الوقت المناسب للشراء؟

الإجابة ليست بهذه البساطة، إذ أظهر استطلاع حديث أجراه بنك جي بي مورغان أن العديد من المستثمرين، رغم آمالهم بانفراج محتمل في الحرب التجارية، لا يزالون يشعرون بقلق بالغ حيال الأثر الدائم الذي قد تتركه جهود الإدارة الأمريكية لإعادة تشكيل النظام العالمي، كما أنهم يعانون من ضعف الثقة في أهداف الإدارة الحقيقية ولا يمتلكون وضوحًا كافيًا حول فئات الأصول التي ينبغي الاحتفاظ بها في هذه المرحلة.

هذا المزيج من ضعف القناعة وارتفاع درجة عدم اليقين والخشية من تداعيات سلبية طويلة المدى، لا يشكل بيئة استثمارية مطمئنة، حتى وإن كانت المئة يوم المقبلة أقل اضطرابًا من سابقتها.

وول ستريت تتوقع تعافيًا في سوق الأسهم بنسبة 10% بحلول نهاية عام 2025

يعتبر بعض الاستراتيجيين أن التنبؤات المتعلقة بمؤشر ستاندرد آند بورز 500 ليست أداة دقيقة لتوقع حركة السوق بل مجرد مؤشر لقياس الاتجاه العام، فقد تسببت موجة البيع الأخيرة في مفاجأة للمحللين ما دفع العديد من المؤسسات المالية الكبرى مثل “جي بي مورغان” و”غولدمان ساكس” و”بنك أوف أمريكا” إلى خفض توقعاتهم لنهاية العام بشكل عاجل.

هذه التعديلات جاءت نتيجة تصاعد المخاوف من أن تؤدي الحرب التجارية التي أشعلتها سياسات ترامب إلى ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من ذلك، لا يزال غالبية المحللين يعتقدون أن السوق ستتعافى، وإن كان بوتيرة أبطأ من التوقعات السابقة.

ومن اللافت أن رد فعل ترامب تجاه تراجع السوق خلال ولايته الحالية يبدو أقل سرعة مما كان عليه في السابق، حتى بعد دخول الأسهم منطقة التصحيح.

مع بداية أبريل، وبعد فرض تعرفة جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات، انخفض متوسط التوقعات لنهاية العام لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 من نحو 6600 نقطة إلى ما دون ذلك بنسبة تقارب 10% خلال أسبوعين، وفي حين تراوحت التوقعات في بداية 2025 بين 6400 و7100 نقطة، فإنها الآن تتراوح بين 5200 و7000 نقطة، وسط غياب تحديثات من بعض المؤسسات مثل دويتشه بنك ومورغان ستانلي.

ويبقى التساؤل: هل يجب على المستثمرين الوثوق بهذه التوقعات المحدثة؟، يرى الخبراء أن هذه التوقعات شديدة التقلب وليست بالضرورة دقيقة، مشيرًا إلى أن الانخفاض الجماعي في التقديرات بنسبة تتراوح بين 10% و11% خلال أسبوع أمر غير معتاد، ومثل هذه الأرقام تمثل مؤشرًا عامًا وليس أداة تنبؤية موثوقة، مشيرًا إلى أن التقديرات التاريخية منذ عام 2000 كانت تنحرف عن الواقع بنسبة 14% في المتوسط.

يعتمد المحللون في الغالب على طريقة ضرب الأرباح المقدرة لكل سهم في نسبة السعر إلى الأرباح المستقبلية، إلا أن هذه الطريقة تواجه حاليًا تحديات بسبب عدم وضوح تأثير الرسوم الجمركية على أرباح الشركات، كما أن الضبابية التي تسود موسم الأرباح الحالي وأن التوقف المؤقت للرسوم لمدة 90 يومًا لا يوفران رؤية واضحة لما سيأتي بعده.

وفي ظل هذا الغموض، يرى الخبراء أن أي تقديرات للأرباح تُعد مجرد افتراضات غير مؤكدة، وقد شهدت بالفعل التقديرات لأرباح مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لعام 2025 انخفاضًا طفيفًا، حيث تراجعت من 271.05 دولار إلى 268.49 دولار للسهم الواحد خلال شهر.

زر الذهاب إلى الأعلى