لأول مرة منذ 2018.. الإمارات تنتزع الصدارة من السعودية في سباق عقود البناء بـ31 مليار دولار

في تحول لافت في مشهد مشاريع البناء، تصدّرت الإمارات العربية المتحدة دول الخليج في قيمة عقود البناء الممنوحة خلال عام 2025، متجاوزة بذلك المملكة العربية السعودية، التي لطالما حافظت على الصدارة في هذا المجال.

تقدم إماراتي بارز في قطاع البناء الخليجي

ووفقا لما أوردته مجلة “ميد” الاقتصادية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، بلغت قيمة العقود التي حصلت عليها الإمارات نحو 31 مليار دولار أمريكي حتى الآن، في حين لم تتجاوز العقود السعودية 20.6 مليار دولار أمريكي، بحسب وكالة “بلومبرج” للأنباء.

وإذا استمر هذا الاتجاه خلال النصف الثاني من العام، فسيكون 2025 أول عام تتفوق فيه الإمارات على السعودية في هذا القطاع منذ عام 2018.

ولا يعكس هذا التحول أداء ماليا فقط، بل يشير إلى تغييرات جوهرية في السياسات الاقتصادية لدول الخليج، لا سيما في ظل ما وصفه خبراء بـ”التحول الاستراتيجي” السعودي، الذي يعيد ترتيب الأولويات في ضوء التحديات الاقتصادية العالمية.

السعودية: إعادة تنظيم المشاريع تحت ضغط التكاليف

ويرى خبراء “ميد” أن التباطؤ في منح المشاريع من الجانب السعودي ليس عشوائيا، بل نتيجة سياسات متعمدة تهدف إلى مواجهة قيود التمويل وارتفاع التكاليف، في وقت تُعاد فيه هندسة الطلب المحلي وفق معطيات السوق.

ففي حين منحت المملكة عقودا بقيمة قياسية بلغت 152 مليار دولار في عام 2024، فإن هذا العام لم يشهد حتى الآن سوى تخصيص 4 مليارات دولار لمشاريعها العملاقة، بما في ذلك المشاريع المرتبطة بـ”رؤية السعودية 2030″.

وتُعد هذه المشاريع أحد أعمدة التحول الاقتصادي في المملكة، غير أن انخفاض أسعار النفط واستمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي شكّلا ضغوطا كبيرة على الميزانية العامة، ما اضطر الرياض إلى تبني نهج أكثر حذرا وتخطيطا في الإنفاق التنموي.

التركيز على البطولات الدولية بدلًا من التوسع الفوري

ومن بين أبرز ملامح التحول السعودي، ما أشار إليه تقرير “ميد” حول تحويل بوصلة الاستثمارات نحو استضافة أحداث رياضية عالمية، مثل دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 وكأس العالم لكرة القدم 2034. وعلى الرغم من أن هذا التوجه قد يُبطئ مؤقتا من حركة البناء، إلا أنه يأتي ضمن رؤية تهدف إلى تعزيز السياحة الرياضية والبنية التحتية على المدى الطويل.

الإمارات تواصل البناء بثقة واستراتيجية متماسكة

وعلى الجهة المقابلة، تمضي الإمارات قدما في مشاريع البنية التحتية والعقارات، مدفوعة بثقة واضحة في السوق ورؤية اقتصادية مرنة. وبينما تعاني المنطقة من تباطؤ عام في قطاع البناء نتيجة الضغوط الاقتصادية العالمية، إلا أن الإمارات أثبتت قدرتها على الحفاظ على الزخم والنمو.

ويُعزى هذا الأداء القوي إلى عوامل عدة، من بينها الاستقرار التنظيمي، والجاذبية الاستثمارية، والقدرة على تنفيذ مشاريع ضخمة في وقت قياسي.

كما أن الإمارات تستفيد من سمعتها كمركز إقليمي للأعمال والمال والسياحة، ما يُعزز من مكانتها في السوق العقاري والبنية التحتية.

المستقبل مفتوح… والسعودية لم تقل كلمتها الأخيرة

ورغم الصدارة الإماراتية الحالية، يرى مراقبون أن السعودية قد تستعيد تقدمها في النصف الثاني من عام 2025، مع التوقع بإطلاق مشاريع ضخمة تخص البنية التحتية لـ كأس العالم 2034. هذه العقود قد تُحدث طفرة كبيرة في حجم المشاريع الممنوحة، ما يُعيد التوازن في المنافسة الإقليمية.

كما لا يمكن إغفال حقيقة أن المملكة لا تزال تملك أضخم محفظة مشاريع مخططة في المنطقة، بقيمة تصل إلى 1.6 تريليون دولار. ويُجسد هذا الرقم الطموح السعودي على المدى الطويل، ويؤكد أن ما نشهده اليوم هو مرحلة انتقالية محسوبة، وليس تراجعا دائما.

بين النضج الاقتصادي والسياسة التكيفية

ولا تعد بيانات “ميد” مؤشراً كميا فقط على تغيّر الاتجاهات، بل تقدم صورة شاملة عن تحوّل اقتصادي وجيوسياسي أوسع في المنطقة. فالسعودية، كما يرى المحللون، تنتقل من مرحلة الإسراع في التنفيذ إلى مرحلة التخطيط الاستراتيجي المستدام، ما يعكس نضجا في التعامل مع الموارد والفرص.

اقرأ أيضًا.. مشروع ملكي سكني ضخم بـ1.4 مليار دولار.. الشارقة تتحدى دبي في سوق العقارات

وفي المقابل، تبرهن الإمارات على قدرتها على الاستفادة من اللحظات الإقليمية الهادئة لتعزيز تقدمها، مدعومة بسياسات اقتصادية قابلة للتكيف، وثقة المستثمرين في مناخها الاستثماري المستقر.

وهذا التباين في المقاربات يعكس رؤى وطنية متميزة، يسير فيها كل بلد نحو أهدافه المستقبلية ولكن بخطى مدروسة ومختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى