لا للثأر.. سوريا تصدر فتوى تاريخية وأمريكا ترحب بالبداية الجديدة

في بيان يُعد علامة فارقة في الخطاب الديني والسياسي بسوريا ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، أصدرت سوريا ممثلة بـ”مجلس الإفتاء الأعلى”، رسميًا فتوى تاريخية تُحرّم القتل خارج إطار القانون.

وتؤكد الفتوى على “حُرمة التعدي على الدماء والأموال والأعراض”، وتُجرّم بشكل صريح جميع أشكال القتل خارج نطاق القضاء، بما في ذلك الثأر والانتقام و”جرائم الشرف”.

وجاء في نص الفتوى التي نقلتها وكالة الأنباء الرسمية “سانا”، أن “من حق المظلوم المطالبة بحقه، لكن استيفاء الحقوق يجب أن يتم عبر القضاء فقط، وليس عبر التصرفات الفردية أو بناءً على إشاعات أو شُبهات”.

القضاء بديلا عن الانتقام: موقف ديني واضح

وشدَّدت الفتوى على أن التعدي على الدماء والأموال والأعراض يُعد من “أعظم أنواع الظلم”، وأن اللجوء إلى الثأر أو التحريض عليه “يُذكي نار الفتنة، ويُهدد السلم المجتمعي”، وهو ما يجعل من هذه الفتوى خطوة غير مسبوقة في خطاب ديني طالما اتسم بالصمت أو التبرير لمثل هذه الأفعال في السابق.

كما أوضح المجلس أن “لا يجوز للناس أن يقيموا الحدود أو القصاص بأنفسهم دون الرجوع إلى القضاء”، مؤكدًا أن أي تجاوز لذلك هو تقويض للنظام الإنساني ومصدر للفوضى.

وأكدت الفتوى على أن إقامة العدل ورفع الظلم هما من ركائز الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

فتوى تاريخية
نص الفتوى

فتوى تاريخية
نص الفتوى

إشادة أمريكية: تحول ديني يُقابله دعم دولي

ولم تمر الفتوى، دوليا، مرور الكرام. فقد حظيت بإشادة فورية من المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، الذي وصفها عبر حسابه على منصة “إكس”، واصفا إياها بأنها “خطوات أولى عظيمة للحكومة السورية الجديدة في الطريق نحو سوريا جديدة”.

وكان باراك قد التقى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني في تركيا أواخر مايو، قبل أن يزور دمشق ويُستقبل رسميا في قصر الشعب، في إشارة إلى انفتاح دبلوماسي جديد بين واشنطن ودمشق.

وفي أعقاب هذه اللقاءات، أعلن باراك أن الولايات المتحدة بصدد سحب تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، معتبرا أن السياسات الأمريكية السابقة فشلت في تحقيق استقرار حقيقي في سوريا.

فتوى ضد تيار العنف

تأتي هذه الفتوى في وقت حساس، إذ شهدت مناطق الساحل السوري – وتحديدًا في محافظة اللاذقية – موجة من العنف في مارس الماضي، خلفت أكثر من 1700 قتيل، معظمهم من الأقلية العلوية.

كما شهد الأسبوع الجاري عمليات أمنية جديدة أسفرت عن مقتل ثلاثة مدنيين، ما يُظهر استمرار التحديات الأمنية والمجتمعية.

وهذه الأحداث الدامية تعزز من أهمية الخطاب الذي قدمته الفتوى، وتُظهر الحاجة الملحة لتكريس ثقافة القضاء بدلا من العنف، وترسيخ أسس دولة القانون.

دعوة للإصلاح القضائي

ولم تكتفِ الفتوى بتحريم القتل غير المشروع، بل طالبت بشكل صريح بالإصلاح القضائي. إذ دعا مجلس الإفتاء إلى “تعجيل إجراءات التقاضي” و”إبعاد قضاة السوء الذين كانوا أداة للنظام البائد في ظلم الناس”، في خطوة تعكس وعيًا رسميًا بضرورة إصلاح البنية العدلية لضمان تحقيق العدالة الفعلية.

وأشار المجلس إلى أن تنفيذ الأحكام القضائية العادلة بشكل سريع سيُسهم في تهدئة النفوس، ويحفظ وحدة الصف الوطني، ويُحبط مخططات المحرضين والمأجورين الذين يسعون لنشر الفوضى.

فتوى بسقف سياسي عال

واللافت في نص الفتوى هو اتساع أفقها السياسي والاجتماعي، إذ لم تكتف بالتنبيه الشرعي، بل حذرت بوضوح من الفوضى التي يولدها الثأر العشوائي والقصاص خارج القانون، مؤكدة أن ذلك “يُفسد النظام الإنساني، ويُقوّض أسس الحياة”.

اقرأ أيضا.. قطار الحجاز يصفر في دمشق.. سوريا على أبواب الربط الإقليمي بدعم تركي بـ 60 مليون يورو

هذا التوجه يشير إلى محاولة المؤسسة الدينية أن تكون شريكًا في تأسيس دولة القانون، وتكريس سلطة الدولة كمرجعية وحيدة للعدالة، في إطار ما يمكن وصفه بـ”خطاب ديني مدني”، ينسجم مع متطلبات إعادة بناء الدولة.

تحول سياسي

وفي ظل إشادة دولية، وعلى رأسها من الولايات المتحدة، تبدو هذه الخطوة كمؤشر واضح على انطلاق مشروع دولة جديدة في سوريا، تسعى إلى تأسيس حكم القانون، وردع الثأر، وإنهاء ثقافة الانتقام، كجزء من المصالحة الوطنية وإعادة هيكلة النظام القضائي والأمني في البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى