لحظة فاصلة بعد انتخاب لبنان رئيسًا جديدًا.. انتصار للدبلوماسية السعودية
القاهرة (خاص عن مصر)- أنهى لبنان فراغًا رئاسيًا دام عامين بانتخاب جوزيف عون، قائد الجيش، رئيسًا جديدًا له. ويمثل هذا الانتخاب لحظة محورية ليس فقط بالنسبة للبنان بل وللمنطقة؛ حيث تعيد المملكة العربية السعودية تأكيد نفوذها في الشرق الأوسط.
يتناول تقرير شبكة سي إن إن، المفاوضات المعقدة، وصراعات القوة الإقليمية، والآثار المترتبة على رئاسة عون على المشهد السياسي الهش في لبنان وهيمنة حزب الله.
دفعة اللحظة الأخيرة من جانب المملكة العربية السعودية
كانت الانتخابات الرئاسية اللبنانية على وشك الفشل، حيث انقسمت الفصائل السياسية وتنافس أكثر من ستة مرشحين على الرئاسة.
قبل أقل من 24 ساعة من التصويت البرلماني الحاسم، شنت المملكة العربية السعودية هجوماً دبلوماسياً في اللحظة الأخيرة. كان الأمير يزيد بن فرحان، المبعوث السعودي، رأس حربة سلسلة من الاجتماعات مع النخبة السياسية في لبنان، والتي توجت بالإجماع حول جوزيف عون.
لقد أثبت هذا التدخل السعودي، الذي تم تنفيذه بالتزامن مع الجهود الدبلوماسية الغربية، فعاليته. وبحلول الوقت الذي غادر فيه الوفد السعودي بيروت، ظهر عون باعتباره المرشح الوحيد القابل للتطبيق، حيث حصل على 99 صوتًا من المشرعين.
أنهى انتخاب عون سنوات من الجمود السياسي وبشر بما وصفه بـ “عصر جديد” للبنان، ووعد بتعزيز سيطرة الدولة على الأسلحة – في إشارة مبطنة إلى نزع سلاح حزب الله.
اقرأ أيضًا: مادورو يؤدي اليمين لولاية ثالثة لفنزويلا.. الولايات المتحدة ترصد 25 مليون دولار لاعتقاله
الحسابات الاستراتيجية لحزب الله
كان أحد أكثر جوانب الانتخابات لفتًا للانتباه هو الدعم المفاجئ لعون من حزب الله وحليفه، حزب أمل. في البداية، أدلى الثنائي الشيعي بأصوات فارغة، مما يشير إلى المقاومة. ومع ذلك، بعد اجتماع مغلق مع عون خلال عطلة برلمانية، غيروا موقفهم، مما مكنه من الفوز.
وتعكس هذه الخطوة ضعف موقف حزب الله في أعقاب خسائره في الحرب الأخيرة مع إسرائيل والإطاحة بحليفه الرئيسي الرئيس السوري بشار الأسد.
وصف زعيم كتلة حزب الله البرلمانية محمد رعد تصويتهم بأنه لفتة نحو “التفاهم الوطني”، مؤكداً على دورهم كـ “حماة للسيادة”. ويؤكد هذا الغموض على محاولة المجموعة إدارة نفوذها المتراجع مع الحفاظ على موطئ قدم في المجال السياسي في لبنان.
عودة المملكة العربية السعودية إلى لبنان
تشير الانتخابات أيضًا إلى تجدد مشاركة المملكة العربية السعودية في لبنان بعد سنوات من النظر إلى البلاد باعتبارها وكيلًا لإيران.
استكملت جهود الرياض من قبل حلفاء غربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا. أجرى المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان والمبعوث الأمريكي الخاص آموس هوكشتاين مناقشات موازية مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، مما عزز ترشيح عون.
يؤكد هذا الجهد الدبلوماسي المنسق على إعادة ضبط إقليمية أوسع نطاقًا، حيث تسعى المملكة العربية السعودية وإيران إلى التقارب بعد سنوات من العداء. إن الانتخابات اللبنانية تشكل اختباراً حاسماً لهذا الانفراج الناشئ، وخاصة مع سعي الرياض إلى الحد من نفوذ حزب الله دون إثارة الصراع المدني.
التحديات التي تنتظر الرئيس عون
يواجه جوزيف عون تحديات هائلة وهو يتولى قيادة دولة تكافح التفتت السياسي والانهيار الاقتصادي والضغوط الخارجية. وسوف يتطلب وعده بنزع سلاح حزب الله واستعادة جنوب لبنان من السيطرة الإسرائيلية دبلوماسية بارعة ودعماً محلياً واسع النطاق. وتشير القدرات العسكرية الدائمة للحزب وقاعدة الدعم الشيعية القوية إلى أن نزع السلاح سيكون عملية مطولة تشمل جهات فاعلة إقليمية ودولية.
بالإضافة إلى ذلك، يتعين على عون معالجة التوترات المستمرة مع إسرائيل، التي لا تزال تحتل أجزاء من جنوب لبنان على الرغم من وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة. ويسلط تعهده بفرض انسحابها الضوء على التوازن الدقيق الذي يجب أن يحققه بين تأكيد سيادة الدولة وتجنب تجدد الصراع.
لحظة من التفاؤل وسط الاضطرابات
على الرغم من العقبات الهائلة، أثار انتخاب عون تفاؤلاً حذراً. وأشادت المحسنة اللبنانية لين زوفيغيان بهذا التطور، قائلة: “أخيرًا أصبح للبنان رئيس يجمع بين القيادة الإنسانية وشرعية الدولة”. وأكدت على الحاجة إلى النظام الدستوري والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية لاستعادة العدالة والمساءلة.
إن رئاسة عون تقدم بصيص أمل لأمة غارقة منذ فترة طويلة في الشلل السياسي واليأس الاقتصادي. وما إذا كانت هذه اللحظة الفاصلة ستترجم إلى تغيير دائم يعتمد على قدرته على التنقل عبر التضاريس السياسية الغادرة في لبنان والوفاء بوعوده.
يمثل انتخاب جوزيف عون رئيسًا للبنان نقطة تحول مهمة في الشرق الأوسط، حيث يسلط الضوء على عودة المملكة العربية السعودية كلاعب إقليمي رئيسي وديناميكيات القوة المتغيرة في لبنان. وفي حين أن الطريق إلى الأمام محفوف بالتحديات، فإن هذا التطور يوفر فرصة للبنان لإعادة بناء دولته المنقسمة وإعادة تحديد دوره في المنطقة.