لدعم مشاريع البنية التحتية العملاقة.. البنوك السعودية تتجه لتوريق القروض المتعثرة

تتجه البنوك السعودية، وعلى رأسها البنك الأهلي، إلى تبني استراتيجية جديدة للتخلص من القروض المتعثرة عبر صفقات توريق، في خطوة تهدف إلى تعزيز قدرتها على تمويل المشاريع التنموية العملاقة ضمن رؤية المملكة 2030.
وتأتي هذه الخطوة استعدادًا لعقد حاسم من الاستثمارات الكبرى في البنية التحتية، وفقًا لما نقلته وكالة “بلومبرغ” عن مصادر مطلعة.
اقرأ أيضًا: أسباب إيقاف دعم حساب المواطن في السعودية.. احذر منها
اقتراب أول عملية بيع رئيسية في البنوك السعودية
وأشارت المصادر إلى أن أول صفقة بيع رئيسية للقروض المتعثرة قد تتم خلال العام الجاري، ما سيفتح المجال أمام البنوك لتوسيع نطاق إقراضها لصالح مشاريع “جيجا”، التي تمثل الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية في المملكة.
وتسعى السعودية، في إطار رؤيتها الطموحة، إلى جذب استثمارات ضخمة تتجاوز تريليون دولار، الأمر الذي يستلزم هيكلة مالية مرنة تدعم القطاع المصرفي وتمكنه من أداء دور محوري في تمويل هذه المشاريع.
تخفيف الضغوط المالية على البنوك السعودية
وأكد هاريس ماير حنيف، الشريك في شركة “إيه آند أو شيرمان” المتخصصة في الاستشارات القانونية المالية، أن البنوك السعودية تسعى جاهدة إلى تحرير رؤوس أموالها من القروض المتعثرة، في وقت يراقب فيه المستثمرون المتمرسون الفرص الناشئة في هذا المجال.
وأضاف أن السوق السعودي لم يشهد حتى الآن صفقات كبيرة لبيع محافظ القروض المتعثرة، لكن ذلك قد يتغير قريبًا مع تزايد الاهتمام بهذه الآلية المالية.
تحولات في سوق الإقراض السعودي
ورغم أن معدلات القروض المتعثرة في البنوك السعودية لا تزال منخفضة مقارنة بالأسواق الأخرى، إلا أن التوجه نحو التخلص منها يهدف إلى إفساح المجال لتمويل مشاريع كبرى، مثل مدينة “ذا لاين” في منطقة نيوم.
يأتي ذك إضافة إلى الاستعداد لاستضافة فعاليات عالمية بارزة، كدورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 وكأس العالم 2034.
ووفقًا لبيانات البنك المركزي السعودي، فإن صافي القروض المتعثرة لمخصصات القروض بلغ 2.1% من رأس المال في نهاي

ة الربع الثالث من العام الماضي، أو 1.3% من إجمالي القروض، وهي نسبة لا تشكل ضغطًا كبيرًا على القطاع المصرفي.
ولكن ضعف نشاط سوق الديون المتعثرة واللوائح غير المواتية كانا من العوامل التي أعاقت تسريع وتيرة عمليات البيع سابقًا.
انعكاسات على السيولة ورأس المال في البنوك السعودية
وترى فيكتوريا مسكيتا، الشريكة في شركة “كورتيس ماليت-بريفوست كولت آند موسل”، أن ضخ البنوك السعودية استثمارات ضخمة في المشاريع الكبرى بدأ يؤثر على نسب السيولة ورأس المال لديها.
وأضافت: “رغم أن معدلات القروض إلى الودائع لا تزال جيدة، إلا أن ذلك يثير نقاشًا حول الأدوات المتاحة لإعادة التوازن إلى الميزانيات العمومية”.
آفاق السوق وتوقعات المستقبل
وتواجه العديد من البنوك الخليجية تحديات تتعلق بإدارة الأصول القديمة المرتبطة بدورات الازدهار والركود التي شهدتها المنطقة خلال العقدين الماضيين.
ومع انخفاض أسعار الفائدة وزيادة حالة عدم اليقين الاقتصادي، تتجه البنوك إلى تقليص نسب القروض المتعثرة، وفقًا لما ذكره نيك وود وبراشان باتيل، الشريكان في فريق الإعسار واسترداد الأصول في “جرانت ثورنتون”.
ويرى الخبراء أن الأشهر الـ 12 المقبلة قد تشهد طرح المزيد من محافظ القروض المتعثرة في السوق، في ظل تزايد الحاجة إلى توفير سيولة إضافية لدعم الاستثمارات الضخمة.
ومع ذلك، فإن بيع القروض المتعثرة لن يكون سوى جزء من استراتيجية أوسع لتمويل المشاريع الكبرى، حيث يتوقع أن تصدر البنوك السعودية ما لا يقل عن 16 مليار دولار سنويًا من الديون الجديدة حتى عام 2030، وفقًا لتحليل أجراه إدموند كريستو من “بلومبرغ إنتليجنس”.
اقرأ أيضًا: طريقة تقديم وظائف وزارة الداخلية السعودية 1446 خطوة بخطوة
التحديات التنظيمية والفرص المستقبلية
وعلى الرغم من الدعم التنظيمي المتزايد، لا تزال هناك تحديات تعيق تسريع وتيرة بيع القروض المتعثرة، من بينها غياب بيانات دقيقة لتسعير المعاملات، إلا أن هذه العقبات لا يتوقع أن تعرقل التوسع في صفقات الديون المتعثرة.
وفي هذا السياق، يرى نافين ساباروال، المدير في “ديفيدسون كيمبنر”، أن السوق السعودي يقدم فرصًا استثمارية جذابة، حيث يتوقع أن تشهد السعودية أول عملية بيع رئيسية للقروض المتعثرة في عام 2025، ما قد يفتح المجال لمزيد من الصفقات في المستقبل.
وتعكس هذه التحركات المصرفية التحول الذي يشهده الاقتصاد السعودي، حيث تسعى البنوك إلى تعزيز قدرتها على تمويل المشاريع الاستراتيجية الكبرى، في وقت تعمل فيه المملكة على تنفيذ خططها التنموية الطموحة.
وبينما تسير عمليات التوريق على قدم وساق، فإن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على قدرة البنوك على تجاوز التحديات التنظيمية وتوفير بيئة استثمارية مواتية لدعم النمو المستدام.