لماذا تُعد “الضبعة” أول محطة نووية حقيقية في تاريخ مصر رغم امتلاكها لمفاعل أنشاص منذ 1961؟
دخلت مصر المجال النووي مبكرًا عبر مفاعل أنشاص الذي أُنشئ عام 1961 بمحافظة الشرقية، بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي، بقدرة تشغيلية لا تتجاوز 2 ميجاوات، وتلاه مفاعل أرجنتيني حديث نسبيًا بدأ تشغيله عام 1997 بقدرة 22 ميجاوات.
وعلى مدار عقود، استخدمت مصر هذه المفاعلات في إجراء البحوث العلمية، وتدريب الكوادر، وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في المجالات الطبية والزراعية والصناعية إلا أن هذه المفاعلات ظلت ذات طابع بحثي فقط، ولا تدخل ضمن أي تصنيف دولي لمحطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية، حيث لم تُدمج مطلقًا في الشبكة القومية للكهرباء، ولا تُمثل مصدرًا للطاقة على المستوى الوطني.
الضبعة.. أول محطة توليد طاقة نووية في مصر
في المقابل، تمثل محطة الضبعة النووية تحولًا جذريًا في تاريخ الطاقة بمصر، إذ تُعد أول محطة متكاملة مخصصة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية. وتُقام المحطة على ساحل البحر المتوسط في محافظة مطروح، بالتعاون مع شركة “روساتوم” الروسية، وتضم 4 مفاعلات من طراز VVER-1200 بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات، وهو ما يُعادل نحو 10% من إجمالي إنتاج الكهرباء الحالي في البلاد. وتُنفذ المحطة بأحدث تكنولوجيا الجيل الثالث+، التي تُصنف بين الأكثر أمانًا على مستوى العالم. ومن المنتظر تشغيل أول مفاعل في منتصف عام 2028، على أن تدخل المفاعلات الأربعة الخدمة بالكامل قبل نهاية 2029.
- المحطة النووية بالضبعة- أرشيفية
فارق جوهري في الغرض والتصنيف الدولي
تكمن الفروقات بين أنشاص والضبعة في جوهر الاستخدام والتصنيف الدولي. فمفاعلات أنشاص مصممة لأغراض تدريبية وبحثية فقط، بينما تُعد الضبعة منشأة استراتيجية تُنتج طاقة كهربائية فعلية وتدخل إلى الشبكة القومية.
وبموجب تشغيلها، تدخل مصر رسميًا قائمة الدول التي تعتمد على الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء، وهو ما لم يكن متاحًا لها طوال العقود الستة الماضية رغم امتلاكها مفاعلات أنشاص.
مشروع استراتيجي بأبعاد اقتصادية وسيادية
يتجاوز مشروع الضبعة كونه مصدرًا إضافيًا للطاقة، ليُصبح أحد أهم أدوات الدولة في تأمين احتياجاتها من الكهرباء، خاصة مع تزايد الأحمال وتحولات السوق العالمية.
كما يدعم المشروع توجه مصر نحو تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ويُسهم في خفض انبعاثات الكربون وفقًا لالتزامات الدولة تجاه قضايا المناخ.
كذلك يُعد المشروع بوابة حقيقية لنقل وتوطين التكنولوجيا النووية السلمية داخل البلاد، ورفع الكفاءة الوطنية في مجال الطاقة المتقدمة، وإعادة تثبيت مصر كلاعب إقليمي وازن في سوق الطاقة.
أنشاص وضعت الأساس.. والضبعة تحقق القفزة
رغم أن مفاعل أنشاص كان أولى خطوات مصر في المجال النووي، فإن محطة الضبعة هي التي تحقق التحول الفعلي من مرحلة البحث إلى الإنتاج، ومن التكوين النظري إلى القدرة التجارية. ولذلك تُعد الضبعة بحق أول محطة نووية حقيقية في تاريخ مصر، ليس فقط لأنها ستُنتج الكهرباء، ولكن لأنها ستُغير خريطة الطاقة في البلاد لعقود قادمة.
اقرأ أيضًا: إنشاء أول مزرعة رياح في دمياط بقدرة 340 ميجاوات لإنتاج الأمونيا الخضراء