لمواجهة التهديد الروسي.. بريطانيا تعزز ترسانتها النووية بمقاتلات أمريكية

في تحوُّل استراتيجي هو الأوسع منذ نهاية الحرب الباردة، تبحث بريطانيا تنفيذ خطوة غير مسبوقة لتعزيز قدراتها النووية، تتمثل في شراء مقاتلات أمريكية قادرة على حمل قنابل نووية تكتيكية.

مخاوف بريطانيا من تزايد التهديد النووي لروسيا

وتأتي هذه الخطوة في وقت يتزايد فيه القلق داخل دوائر صنع القرار البريطانية من احتمالات اندلاع صراع نووي محدود، مدفوعًا بالتصعيد المستمر من الجانب الروسي، خاصة في ظل تهديدات الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية.

مقاتلات F-35A Lightning II تفي بتحقيق الردع

وفي خطوة توصف بأنها الأكثر أهمية منذ عقود في ملف الردع النووي البريطاني، تدرس حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر شراء مقاتلات أمريكية من طراز F-35A Lightning II، القادرة على حمل القنبلة النووية الحرارية B61، ضمن إطار أوسع لتعزيز قدرات المملكة المتحدة على الردع النووي التكتيكي.

ووفقًا لصحيفة “ذا تايمز”، فإن وزير الدفاع جون هيلي وقائد القوات المسلحة الأدميرال توني راداكين يقودان محادثات دقيقة مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، لبحث إمكانية إدخال هذه الطائرات إلى الخدمة في سلاح الجو البرييطاني، وسط إدراك متزايد بأن العالم بات يعيش في “عصر نووي جديد وأكثر خطورة”.

وبالرغم من أن المراجعة الدفاعية المرتقبة لا تتضمن صراحة قدرات الإطلاق الجوي، فإنها تدعو إلى توسيع مساهمة بريطانيا في منظومة الردع النووي المشترك لحلف الناتو، خاصة في الجناح الشرقي لأوروبا.

قدرات جديدة لمواجهة تهديدات متصاعدة

الطائرات قيد الدراسة ليست مجرد مقاتلات تقليدية، بل أدوات استراتيجية تحمل قنابل نووية منخفضة القدرة يمكن استخدامها في سيناريوهات لا ترقى إلى حرب شاملة، ما يمنح لندن وسيلة ردع “ثنائية المستوى”، تضاف إلى قوة الردع النووي التي تعتمد حاليًا على الغواصات من طراز “فانغارد”.

وقال هيلي في تصريحات للصحافة البريطانية: “العالم يزداد خطورة بلا شك، والمخاطر النووية آخذة في التزايد”، مؤكدًا أن بريطانيا تواجه لأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة احتمال اندلاع صراعات بين الدول تتضمن استخدامًا فعليًا للأسلحة النووية.

احتمالات التصعيد الروسي تحفّز الخطط

وتأتي هذه الخطوة في ظل مخاوف غربية متزايدة من إمكانية استخدام روسيا لأسلحة نووية تكتيكية في ساحة أوكرانيا، أو ضد دول شرق أوروبا، وهو ما قد يربك استجابات الناتو.

حيث إن الغواصات البريطانية – رغم قدرتها التدميرية الكبيرة – لا توفر وسيلة دقيقة للرد في سيناريو نووي محدود، مما قد يدفع إلى تصعيد شامل غير محسوب.

ويشير محللون عسكريون إلى أن مقاتلات F-35A، في حال تم اعتمادها، ستوفر مرونة استراتيجية أكبر، وإمكانية توجيه ضربات نووية محدودة رادعة دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تؤدي إلى حرب نووية شاملة.

نقلة نوعية في عقيدة الردع البريطانية

حتى التسعينات، كانت بريطانيا تمتلك طائرات قاذفة تحمل أسلحة نووية تكتيكية ضمن أسطول طائرات “V”، لكنها سُحبت من الخدمة مع نهاية الحرب الباردة. أما اليوم، فالوضع الجيوسياسي يدفع لندن لإعادة النظر في هذا القرار.

ويتزامن هذا التوجه مع إطلاق المراجعة الاستراتيجية الجديدة للدفاع البريطاني، والتي تشمل أيضًا استثمارات كبيرة في الصناعة العسكرية، من بينها بناء ستة مصانع ذخيرة جديدة، وتوسيع أسطول البحرية، وزيادة تعداد الجيش، إضافة إلى تأسيس منظومة دفاع صاروخي وطنية.

ردع دون تصعيد: الرهان على التوازن

يرى القادة العسكريون البريطانيون أن امتلاك قوة ضاربة نووية من الجو يشكل عامل توازن مع دول مثل فرنسا والولايات المتحدة، التي تمتلك بالفعل قدرات نووية ثلاثية (بحرية، برية، وجوية).

كما سيعزز من مصداقية المملكة المتحدة داخل الناتو، ويوفر مرونة أكبر في مواجهة سيناريوهات التصعيد من الجانب الروسي.

ورغم الحساسية السياسية والتكلفة المالية لهذه الخطوة، فإن الإشارات الصادرة من الحكومة البريطانية تشير إلى دعم متنامٍ لهذا المسار، الذي قد يعيد تشكيل خريطة الردع النووي الأوروبي لعقود مقبلة.

اقرأ أيضًا: “عملية الويب”.. مسيرات FPV تضرب عمق الأراضي الروسية.. هل تمتلكها دول عربية؟

زر الذهاب إلى الأعلى