لم يظهر شيء.. البحث عن الأسلحة الكيميائية التابعة للأسد مستمر

بعد الحرب الأهلية السورية مازال البحث عن الأسلحة الكيميائية التابعة للأسد جاريا، والذي لم يسفر حتى الأن عن شيء، حيث يبقى زعم استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيميائية أحد أحلك فصول الصراع.

في عام 2017، أسفر هجوم مروع بغاز السارين في بلدة خان شيخون عن مقتل ما لا يقل عن 90 شخصًا، كثير منهم أطفال، وإصابة مئات آخرين.

لا يزال هذا الهجوم محفورًا في ذاكرة الناجين، مثل عبد الحميد، الذي فقد 25 فردًا من أفراد عائلته في ذلك اليوم، ولعل الدمار الذي أحدثه هذا الهجوم لا يُذكّرنا فقط بأهوال الحرب الكيميائية، بل يُبرز أيضًا الحاجة المُلحة لتحديد موقع مخزون الأسد من الأسلحة الكيميائية وتحييده قبل وقوع المزيد من الضرر.

البحث عن الأسلحة الكيميائية: سباق مع الزمن

وفقا لتقرير صنداي تايمز، لا يزال البحث عن مخزون الأسد من الأسلحة الكيميائية مستمرًا، ولكنه سباق مع الزمن. لدى سوريا برنامج أسلحة كيميائية ضخم، طُوّر على مدى عقود، ويشمل هذا المخزون غازات أعصاب قاتلة مثل السارين، إضافة إلى غاز الخردل الذي يعود إلى حقبة الحرب العالمية الأولى.

بينما أُخفي جزء كبير من ترسانة سوريا عن المفتشين الدوليين، اكتُشفت بعض بقايا الأسلحة والمواد الكيميائية، لكن لا يزال مصير العديد من المخزونات مجهولاً.

يحذر غريغوري كوبلنتز، خبير منع الانتشار، من مخاطر المخزونات. ويقول: “الأسلحة الأكثر إثارة للقلق هي تلك التي اختفت”، في إشارة إلى المواد الكيميائية والمعدات التي أصبحت الآن غير محمية، ويمكن أن تقع بسهولة في الأيدي الخطأ.

إذا لم يتم تحديد موقع هذه الأسلحة وتدميرها، فإن المخاطر متعددة – فقد يتعرض المدنيون للتسمم، وقد يكون هناك تلوث بيئي طويل الأمد، وقد تستخدم الجماعات المسلحة هذه المواد الكيميائية في الإرهاب الكيميائي.

عملية نزع السلاح بطيئة ومعقدة. فمع إتلاف السجلات وتشتت العلماء المشاركون في برنامج الأسلحة الكيميائية السوري أو اختبائهم، لا يبقى لمفتشي الأسلحة الدوليين سوى معلومات متفرقة لتوجيههم.

الجدول الزمني لتحديد مواقع المخزونات وتأمينها غير مؤكد، وكل يوم يمر دون إحراز تقدم يزيد من احتمال وقوع هجمات أخرى أو التعرض غير المقصود.

التحديات السياسية وحملات التضليل

يُضاف إلى هذا التحدي التعقيد السياسي للوضع. فرغم تزايد الأدلة التي تربط نظام الأسد بهجوم خان شيخون، تواصل الحكومة السورية إنكار تورطها، مدعومةً بدعم روسي.

قد حال استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي عام 2017 دون إجراء المزيد من التحقيقات في الهجمات الكيميائية، ولجأت موسكو مرارًا وتكرارًا إلى حملات التضليل لإثارة الشك في الحقائق، متهمةً قوات المعارضة بتدبير هجمات.

بالنسبة للناجين مثل عبد الحميد، يبدو السعي لتحقيق العدالة ميؤوسًا منه. فقد أدلى بشهادته أمام هيئات دولية مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، لكن التقدم بطيء، ولا تزال المساءلة عن وفيات أفراد عائلته بعيدة المنال.

يتساءل عبد الحميد: “لماذا لم يُحاكم الأسد؟” لا يزال الفشل في محاسبة النظام السوري على أفعاله يُؤرق الناجين والمجتمع الدولي.

دور إدارة ترامب في السياسة السورية

ازداد الوضع تعقيدًا في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي التقى، خلال ولايته الثانية، بالرئيس السوري أحمد الشرع في زيارة تاريخية.

أثار قرار ترامب رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، مانحًا النظام “فرصة للعظمة”، قلقًا في العواصم الأوروبية، حيث يعتقد الكثيرون أن مثل هذه الخطوة قد تُعيق التقدم في جهود نزع السلاح الجارية. وبينما لا يزال القادة الأمريكيون والأوروبيون منقسمين بشأن سوريا، أصبحت قضية أسلحة الأسد الكيميائية والمخاطر المستمرة التي تُشكلها أكثر إلحاحًا.

أقرا أيضا.. حرب روسيا وأوكرانيا.. القوات الروسية منهكة وتريد غزو المزيد من الأراضي| تقرير

صراع شخصي وجماعي

بالنسبة لعبد الحميد، فإن البحث عن أسلحة الأسد الكيميائية ليس مجرد مسألة سياسية أو عسكرية؛ إنه صراع شخصي عميق. ولا يزال فقدان عائلته يُؤرقه وهو يزور قبور زوجته وأطفاله وأقاربه. يقول وهو يتأمل في المستقبل المشرق الذي سُلب منهم: “كنت فخورًا بهم للغاية”. تُضفي ابنته الجديدة بعض النور على حياته، لكن شبح حزن هجوم السارين لا يتلاشى أبدًا.

يتشابك ألم الفقد مع الكفاح من أجل العدالة. تُذكرنا شهادة حامد وشهادات آخرين مثله بالتكلفة البشرية للحرب الكيميائية، وبضرورة تحديد مواقع أسلحة الأسد وتدميرها قبل أن تُسبب المزيد من الدمار.

الوقت يمر، ويجب أن يُركز العالم جهوده على عملية نزع السلاح لضمان عدم إزهاق المزيد من الأرواح بسبب هذه الأسلحة المروعة.

الطريق إلى العدالة والمساءلة

يجب على المجتمع الدولي التحرك بسرعة وحزم لمنع وقوع المزيد من الفظائع. تُعدّ التحقيقات الجارية التي تُجريها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالغة الأهمية، إلا أن حجم المهمة يتطلب ضغطًا دوليًا مستمرًا على نظام الأسد وروسيا والقوى الأخرى التي تُمكّنه من القيام بأفعاله.

بينما لا تزال أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الأسد بعيدة المنال، يجب أن يستمر السعي لتحقيق العدالة لضحايا خان شيخون وغيرها من الهجمات الكيميائية.

كما تُظهر قصة عبد الحميد، فإن السعي لتحقيق العدالة لا يقتصر على السياسة فحسب، بل يشمل منح الضحايا ما يستحقونه من طيّ صفحة الماضي والاعتراف بما يستحقونه. يجب على المجتمع الدولي ضمان عدم نسيان أهوال الحرب الكيميائية ومحاسبة المسؤولين عنها.

زر الذهاب إلى الأعلى