بنوك وبورصة

ضعف الرقابة عليها يهدد الاقتصاد.. ما هي بنوك الظل وهل تمثل خطورة على المصارف التقليدية؟

في ظل التحولات السريعة التي يشهدها النظام المالي العالمي، برزت بنوك الظل كقوة مالية غير تقليدية تتحدى حدود النظم المصرفية التقليدية.

وهذه المؤسسات التي تتسم بالمرونة وتقدم خدمات تمويلية مبتكرة، أصبحت تمثل ملاذًا للشركات والأفراد الباحثين عن حلول تمويلية خارج إطار الرقابة الصارمة للبنوك، ورغم أن بنوك الظل قد تبدو حلاً اقتصاديًا جذابًا، إلا أنها تحمل في طياتها مخاطر مالية قد تهدد استقرار الأسواق.

ومع التحذيرات التي أطلقها البنك المركزي الأوروبي قبل عامين، بدأت الأنظار تتجه نحو هذه المؤسسات لفهم طبيعتها الحقيقية ومدى قدرتها على ملء الفراغ الذي تتركه البنوك التقليدية في بعض القطاعات.

ما هي بنوك الظل ؟

وتعد بنوك الظل أو “المؤسسات المالية غير المصرفية” (NBFIs) جزءًا من النظام المالي العالمي المتزايد الأهمية، وهي مؤسسات تقدم خدمات مشابهة لتلك التي تقدمها البنوك التقليدية، مثل تقديم القروض وتمويل الديون، لكنها لا تخضع لنفس الرقابة والإشراف المباشر من الجهات التنظيمية.

وتشمل هذه المؤسسات شركات مثل الفاكتورينج (Factoring) والليسينج (Leasing)، بالإضافة إلى شركات التمويل الخاصة التي تقدم خدمات الاقتراض والتمويل للشركات والأفراد.

اقرأ أيضًا: 3 ملفات ثورية تغير وجه الخدمات المصرفية الرقمية على طاولة البنك المركزي المصري

تحذير البنك الأوروبي

وفي السنوات الأخيرة، أثيرت مخاوف حول الدور المتزايد لبنوك الظل في الأنظمة المالية العالمية، وقد حذر البنك المركزي الأوروبي (ECB) قبل نحو عامين من المخاطر المرتبطة بهذه المؤسسات.

وتتعلق هذه المخاطر بشكل رئيسي بضعف الرقابة عليها، مما يجعلها أكثر عرضة للتقلبات المالية التي قد تؤدي إلى أزمات اقتصادية أوسع، وعلى سبيل المثال في حال حدوث تراجع اقتصادي حاد أو ارتفاع معدلات الفائدة، قد تجد هذه المؤسسات صعوبة في الحفاظ على استقرارها المالي، خاصة أن الكثير منها يعتمد بشكل كبير على الديون في عملياتها​.

طبيعة عمل بنوك الظل

والمؤسسات التي يطلق عليها بنوك الظل تعمل خارج النظام المصرفي التقليدي، حيث تقوم بتمويل الشركات والأفراد بطرق مختلفة، ومن بين هذه الطرق، عمليات التوريق “Securitization” التي تتضمن بيع القروض والديون إلى مستثمرين آخرين، ما يسمح بنقل المخاطر المالية إلى أطراف أخرى.

وتعتمد هذه المؤسسات على تقديم قروض بفوائد مرتفعة نسبيًا، نظرًا لكونها تتعامل مع قطاعات قد تعتبرها البنوك التقليدية أكثر خطورة.

وعلى سبيل المثال، شركات التمويل المتخصصة في “الفاكتورينج” تشتري الديون التجارية من الشركات التي تواجه صعوبة في تحصيل مدفوعاتها، مما يوفر للشركات السيولة الفورية، أما شركات “الليسينج”، فتقدم خدمات تأجير الأصول، سواء كانت سيارات أو معدات صناعية، وتوفر بديلًا للشركات التي لا ترغب أو لا تستطيع تمويل شراء هذه الأصول مباشرة.

التأثير على الاقتصاد

وتمثل بنوك الظل حوالي 14% من الأصول المالية العالمية، وفقًا لتقارير عام 2022، حيث تمتلك هذه المؤسسات ما يقارب 63 تريليون دولار من الأصول، وقد شهدت هذه الأصول انخفاضًا طفيفًا في بعض القطاعات مثل صناديق الاستثمار الثابتة، إلا أن قطاعات أخرى مثل شركات التمويل والوساطة المالية شهدت زيادة في حجم الأصول خلال الفترة الأخيرة​.

ومن ناحية أخرى، تساهم بنوك الظل في دعم الاقتصاد من خلال تقديم تمويل بديل للشركات والأفراد الذين قد لا يحصلون على قروض من البنوك التقليدية، ومع ذلك فإنها تمثل مصدرًا للمخاطر النظامية، حيث أن التداخل الكبير بين هذه المؤسسات والقطاعات المالية الأخرى قد يؤدي إلى تأثيرات مضاعفة في حال تعرضها لأي اضطراب مالي.

اقرأ أيضًا: سلاح ذو حدين.. كيف تهدد الأموال الساخنة استقرار اقتصادات الدول؟

هل يمكن لبنوك الظل أن تحل محل البنوك التقليدية؟

وفي حين أن بنوك الظل تقدم خدمات شبيهة بالبنوك التقليدية، إلا أنها لا يمكن أن تحل محل البنوك بشكل كامل، فالبنوك التقليدية تتمتع بميزات هامة، مثل القدرة على خلق النقود والتمتع بإشراف صارم من الهيئات التنظيمية، وهو ما يمنحها استقرارًا نسبيًا في مواجهة الأزمات المالية.

وعلى الرغم من النمو السريع لبنوك الظل، إلا أن هذا النمو يعتمد بشكل كبير على استقرار الأسواق المالية، وهو ما قد يتعرض للاختبار في حال حدوث أي أزمة اقتصادية أو مالية.

وتشير التوقعات إلى أن الأثر المتأخر لرفع معدلات الفائدة في الأعوام الماضية قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتشديد شروط التمويل، مما قد يؤثر سلبًا على قدرة بنوك الظل على توفير السيولة والتمويل اللازم، وبالتالي قد تكون بنوك الظل أكثر عرضة للمخاطر مقارنة بالبنوك التقليدية التي تتمتع بقدرات أكبر على إدارة المخاطر المالية.

التحديات والفرص المستقبلية

ومع استمرار التطورات في أسواق المال العالمية، يتوقع أن تستمر بنوك الظل في لعب دور مهم في تمويل الشركات والأفراد، خاصة في الأسواق الناشئة، ومع ذلك فإن التحديات المرتبطة بالرقابة والإشراف المالي قد تظل عائقًا أمام تطوير هذا القطاع.

ومن جانب آخر، قد تكون هناك فرص لتنظيم أفضل لهذا القطاع لضمان استقراره وتقليل مخاطره، خاصة في ضوء تزايد الترابط بين المؤسسات المالية التقليدية وغير التقليدية في الأسواق المالية العالمية​.

وهذه المؤسسات قد تكون جزءًا من الحلول التمويلية في المستقبل، لكن دورها سيظل محدودًا ما لم يتم وضع أطر تنظيمية صارمة تحمي الأنظمة المالية من الأزمات المحتملة التي قد تنشأ نتيجة الأنشطة غير المنظمة لهذه المؤسسات.

زر الذهاب إلى الأعلى