متى يتفوق الجنيه المصري على الدولار؟.. خبير اقتصادي يوضح الحلول الممكنة
تعد العلاقة بين الجنيه المصري والدولار الأمريكي من أبرز القضايا الاقتصادية التي تشغل الرأي العام في مصر، فقد شهد الجنيه تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة بسبب عوامل عديدة تتعلق بالاقتصاد العالمي والمحلي، مما أثار تساؤلات حول إمكانية أن يصبح الجنيه أغلى من الدولار يومًا ما، ولكن متى يمكن أن يحدث ذلك؟ وما هي المدة الزمنية التي يحتاجها الجنيه لتحقيق هذا الإنجاز؟
الوضع الحالي للجنيه المصري مقابل الدولار
وقبل الخوض في السيناريوهات المستقبلية، يجب تحليل الوضع الراهن للجنيه المصري، فمنذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، شهد الجنيه المصري تراجعات كبيرة مقابل الدولار، حيث وصل سعره إلى مستويات منخفضة مقارنة بما كان عليه في السنوات السابقة، وقد تأثرت قيمة الجنيه بعوامل عديدة، منها ارتفاع معدلات التضخم الذي قلل من القوة الشرائية للجنيه، وانخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي، مع الأوضاع الاقتصادية والسياسية العالمية التي أثرت على الاقتصاد العالمي ككل.
العوامل التي تؤثر على قيمة الجنيه المصري
ولكي يصبح الجنيه المصري أغلى من الدولار، يجب أن تحدث تغييرات جوهرية في بنية الاقتصاد المصري والسياسات الاقتصادية العالمي، ولكن ما الذي تحتاج إليه الدولة المصرية لرفع قيمة الجنيه؟.
وتعتمد قيمة العملة بشكل كبير على التوازن بين الصادرات والواردات، وإذا تمكنت مصر من تعزيز صادراتها بشكل كبير، خصوصًا في مجالات مثل الزراعة، الصناعات التحويلية، والبتروكيماويات، فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة الطلب على الجنيه وبالتالي رفع قيمته.
وتقليص الواردات هو عنصر مكمل لتعزيز الصادرات، وعندما تستورد الدولة أقل مما تصدر، فإن ذلك يؤدي إلى تحسين ميزان المدفوعات ويدعم العملة المحلية.
وتشجيع المستثمرين الأجانب على ضخ أموالهم في الاقتصاد المصري، سواء من خلال المشاريع الصناعية أو التجارية، يعزز الاحتياطي النقدي الأجنبي ويقوي الجنيه.
كما تعد السياحة من أهم مصادر الدخل القومي لمصر، وقد تأثرت بشكل كبير بفعل الأحداث الجيوسياسية وأزمة جائحة كورونا، وإذا استطاعت مصر استعادة نشاط قطاع السياحة بقوة، إلى جانب تطوير استثمارات الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي، فإن هذه العوامل قد تدفع نحو تحسين قيمة الجنيه.
اقرأ أيضًا: أرباحك من adsense بالجنيه.. جوجل تلغي التعامل بالدولار في مصر
القيمة العادلة للجنيه المصري؟
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي أحمد خطاب، عضو مجلس الأعمال المصري الكندي، أن جميع عملات الدول حول العالم تُقيَّم بناءً على مدى صلابتها وقدرتها وغطائها الذهبي وغطائها الاقتصادي.
وأضاف في حديثه لـ “خاص عن مصر”، أن أزمة الجنيه المصري لا تتمثل في الوضع الاقتصادي للدولة فقط، بل لها أبعاد أخرى، حيث يقيَّم الجنيه المصري الآن بأقل من قيمته بكثير، لافتًا إلى أن قيمة الدولار الأمريكي أمام الجنيه مبالغ فيها، وأن السعر العادل للدولار حاليًا يتراوح بين 20 و25 جنيهًا فقط.
وأشار خطاب إلى أن الولايات المتحدة ليس لديها الغطاء الذهبي الكافي الذي يجعل عملتها قوية، ولكن الدولار لا يستمد قوته من الاقتصاد الأمريكي، بل من الهيمنة الأمريكية الدولية سياسيًا والقوة العسكرية الكبيرة، والاقتصاد الأمريكي ليس بالقوة التي يتحدثون عنها، فالولايات المتحدة تستطيع طباعة الدولار بكل أريحية وشراء النفط حتى من خصومها السياسيين مثل روسيا وبيلاروسيا بفضل هيمنتها السياسية والعسكرية فقط.
إعادة التوازن العالمي
وتابع: “الحرب الروسية الأوكرانية أعادت التوازن لقوة العالم بدخول الصين وروسيا كمعسكر والولايات المتحدة وأوروبا كمعسكر آخر، وعندما تنتهي الحرب أتوقع إعادة تقييم الدولار وينخفض سعره، خاصة مع الحديث عن عملة بريكس، وهو الأمر الذي سيعطي بعض الزخم في سبيل استعادة الجنيه المصري لقيمته”.
وأوضح أنه عند الحديث عن الجنيه المصري يجب أن نعلم أنه عملة ليست ضعيفة، بل مدعومة بغطاء ذهبي قوي وغطاء استراتيجي نظرًا لموقع مصر المثالي وقوتها العسكرية التي لا يستهان بها، وتصدرها للقوى العسكرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى امتلاك اقتصاد قوي وأراضٍ خصبة صالحة للزراعة واكتشافات غازية وبترولية، ومشاريع قومية قوية في شتى المجالات، الأمر الذي يمهد الطريق لعودة الجنيه المصري إلى سابق عهده وقوته.
وأردف أن الأوضاع السياسية في المنطقة والنزاعات الإقليمية، ومنها الصراع الإيراني الإسرائيلي والعدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، بالإضافة للحرب بين روسيا وأوكرانيا تمثل تحديات أمام الاقتصاد المصري، ولكن بمجرد التوصل إلى تسويات سياسية لهذه النزاعات، سيشهد الاقتصاد المصري نموًا كبيرًا سيجعل الجنيه أقوى بكثير.
مشاريع قادمة
ولفت عضو مجلس الأعمال المصري الكندي إلى وجود عدة مشاريع مصرية قادمة بالتعاون مع إيطاليا سيتم الإعلان عنها خلال عام 2025، على شاكلة مشروع رأس الحكمة، والتي ستجعل الاقتصاد المصري ينمو بشكل كبير، وبالتالي سيعود ذلك على قوة الجنيه.
وأضاف: “ما يحدث للجنيه المصري هو حصار أمريكي واضح لمصلحة حلفائها في المنطقة والدول المعادية لمصر، والعملة المصرية مظلومة، ولكن الدولة المصرية قوية جدًا وتواجه هذه التحديات، ولديها سيناريوهات لكل الأحداث التي تشهدها المنطقة”.
واختتم خطاب حديثه بالتأكيد أن الاقتصاد المصري على الطريق الصحيح، وسيكون واحدًا من أقوى الاقتصاديات على مستوى العالم في المستقبل القريب، وخلال سنوات يمكننا أن نرى الجنيه المصري ضمن أقوى العملات العالمية متفوقًا على الدولار.
اقرأ أيضًا: هل يقترب الجنيه المصري من تعويم جديد أمام الدولار؟
هل من الممكن أن يصبح الجنيه المصري أغلى من الدولار؟
ورغم أن النظرة السريعة إلى الوضع الاقتصادي الحالي قد تجعل الأمر يبدو صعبًا، إلا أن هناك
أمثلة عالمية تؤكد أن تغييرات جذرية في السياسة الاقتصادية يمكن أن تؤدي إلى تحولات كبيرة في قيمة العملة.
وعلى سبيل المثال، شهدت بعض الدول في آسيا وأمريكا اللاتينية تحسنًا ملحوظًا في قيمة عملاتها بعد إصلاحات اقتصادية شاملة، إلا أن الوصول بالجنيه إلى قيمة أعلى من الدولار يحتاج إلى جهد طويل ومستدام، ويتطلب تنفيذ سياسات اقتصادية مدروسة وجادة، ويمكن أن نضع سيناريوهات مختلفة بناءً على عوامل عديدة.
السيناريو الإيجابي
إذا استمرت مصر في تطبيق إصلاحات هيكلية تشمل تعزيز الصادرات، جذب استثمارات أجنبية ضخمة، تطوير السياحة، وتخفيض معدلات التضخم، فقد تبدأ قيمة الجنيه في الارتفاع تدريجيًا، وفي هذا السيناريو، قد نرى تحسنًا ملحوظًا خلال فترة تتراوح بين 10 إلى 15 عامًا.
السيناريو المعتدل
وفي حال استمرت الأوضاع الحالية دون تغييرات جذرية، مع بعض التحسينات الطفيفة في القطاعات الاقتصادية، قد يستغرق الأمر فترة أطول، ربما تصل إلى 20 أو 30 عامًا، لتحقيق تقارب ملحوظ بين قيمة الجنيه والدولار أو تخطي الجنيه لقيمة الدولار.
اقرأ أيضًا: الجنيه المصري يثبت قوته أمام الدولار رغم الضغوط السياسية والاقتصادية
العوامل العالمية وتأثيرها على العملتين
الجدير بالذكر، أنه بالإضافة إلى العوامل الداخلية في مصر، فإن هناك عوامل خارجية تلعب دورًا مهمًا في تحديد قيمة العملات، مثل السياسات النقدية الأمريكية التي تؤثر على قيمة الدولار عالميًا، وإذا استمر الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم، فقد يستمر الدولار في الحفاظ على قوته.
كما أن التجارة العالمية يمكن أن تؤثر التقلبات في الأسواق العالمية، مثل انخفاض أسعار النفط أو التوترات التجارية بين الدول الكبرى، على قيمة الدولار والجنيه على حد سواء.
هل هناك سابقة عالمية مماثلة؟
وإذا نظرنا إلى تجارب بعض الدول التي استطاعت أن تجعل عملاتها تتفوق على الدولار، مثل اليابان وسويسرا، نجد أن هذه الدول اعتمدت على سياسات اقتصادية قوية واستقرار مالي طويل الأمد، ومع ذلك، يظل الوصول لهذا الهدف تحديًا كبيرًا وليس بالأمر الذي يتم بين يوم وليلة ولكنه يحتاج إلى جهد مضني وسنوات طويلة، بجانب أنه يعتمد على العديد من العوامل الداخلية والخارجية.
وبالنظر إلى العوامل الاقتصادية الحالية في مصر والعالم، فإن تحقيق هدف جعل الجنيه المصري أغلى من الدولار ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب فترة طويلة من الإصلاحات الاقتصادية والاستقرار السياسي والمالي.