مجاعة مصطنعة.. الشركات الأمريكية تجني أرباحاً بالمليارات من حرب غزة

مشهدٌ مأساويٌّ مألوفٌ الآن في غزة: آلافٌ ينتظرون لساعاتٍ تحت شمسٍ حارقة، يائسين من أكياس دقيقٍ تختفي في دقائق. ليس مصدر هذا العذاب نقصَ المساعدات العالمية – إذ لا تزال أطنانٌ من الطعام عالقةً خارج القطاع – بل الحصار الإسرائيلي المستمر، الذي تُحمّله أكثر من 100 منظمةٍ إنسانيةٍ مسؤوليةَ “الفوضى والمجاعة والموت”.
وبينما بدأت إسرائيل بالسماح بمرورِ قوافلٍ قليلةٍ، فإن هذه الإجراءات غير كافيةٍ بشكلٍ مُحزنٍ لواحدٍ من كلِّ ثلاثةٍ من سكان غزة الذين لم يأكلوا منذ أيام، وللعشرات الذين جاعوا بالفعل.
ومع ذلك، فحتى مع حرمانهم من الضروريات الأساسية، تدفقت شحنات الأسلحة إلى جيش الدفاع الإسرائيلي دون انقطاع.
وفقًا لتقرير جديد أعدته فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، تقف الولايات المتحدة في قلب سلسلة التوريد الكئيبة هذه، مُغذّيةً ما وصفته بـ”أسوأ أزمة إنسانية في القرن الحادي والعشرين”.
الشركات الأمريكية و”اقتصاد الإبادة الجماعية”
يُفصّل تقرير ألبانيز، المعنون “من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية”، مدى تورط الشركات الأمريكية في عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي. فقد زوّدت شركات دفاعية كبرى – أبرزها شركة لوكهيد مارتن – طائرات مقاتلة مرتبطة بتفجيرات أسفرت عن مقتل أو جرح ما يقرب من 200 ألف فلسطيني.
أفادت التقارير أن جيش الدفاع الإسرائيلي استخدم تحليلات بيانات شركة بالانتير، على الرغم من النفي العلني، لتحديد أهداف في غزة. ويزعم التقرير أن آلات شركة كاتربيلر قد سوّت منازل ومستشفيات بالأرض، مما أدى في بعض الأحيان إلى احتجاز مدنيين داخلها.
وشركات التكنولوجيا العملاقة متورطة أيضًا. قدمت جوجل وأمازون، اللتان كانتا في السابق مثالاً يُحتذى به في ثقافة الشركات الأخلاقية، خدمات حوسبة سحابية مشتركة لإسرائيل بقيمة 1.2 مليار دولار.
يستشهد ألبانيز بكولونيل إسرائيلي يصف هذه التقنية صراحةً بأنها “سلاح بكل معنى الكلمة”، واصفًا بنيتها التحتية الرقمية بأنها “سحابة قاتلة كأي غاز سام”.
الإنكار والعقاب وحقائق مزعجة
كان رد إدارة ترامب سريعًا، إذ فرضت عقوبات على ألبانيز ونددت بنتائجها ووصفتها بأنها “حرب سياسية واقتصادية”. لكن استنتاجات التقرير تعكس تحذيرات أصوات إسرائيلية ويهودية بارزة.
أكد مؤرخ الإبادة الجماعية، عمر بارتوف، الجندي السابق في جيش الدفاع الإسرائيلي، تقييم ألبانيز، قائلاً: “أستطيع تمييز واحد بمجرد رؤيته”. كما أدانت منظمات حقوق إنسان إسرائيلية كبرى وصحفيون، مثل بيتر بينارت، الحملة الإسرائيلية على غزة، ووصفوها بأنها “مستوى مذهل من الموت والمعاناة أصبح أمرًا طبيعيًا”.
أقرا أيضا.. ما هي حلقة النار بالمحيط الهادئ؟ موطن الزلازل والبراكين الأكثر نشاطًا في العالم
المقاومة السياسية والتعبئة الشعبية
في واشنطن، دافع مشرعون تقدميون، مثل النائبة رشيدة طليب والسيناتور بيرني ساندرز، عن وقف عمليات نقل الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل، وقدموا قانون “حظر القنابل” لتقييد مبيعات أسلحة معينة.
رغم التقدم التشريعي المحدود، إلا أن الرأي العام آخذ في التحول: إذ يعتقد 23% فقط من الأمريكيين الآن أن أفعال إسرائيل في غزة مبررة.
مع ذلك، يواجه ناشطون مثل محمود خليل إجراءات انتقامية حكومية لمناصرتهم للقضية الفلسطينية، وغالبًا ما تُقابل الاحتجاجات في الولايات المتحدة وخارجها بالقمع. ويظل تحويل الغضب الواسع النطاق إلى تغيير حقيقي تحديًا هائلًا.
مع ذلك، يُمثل التنظيم الشعبي سبيلًا للمضي قدمًا. فقد رفعت الاحتجاجات التي يقودها الطلاب – على الرغم من التهديدات بالطرد والوضع على القائمة السوداء – مستوى الوعي وضغطت على الشركات. تجادل ألبانيز بأن هناك حاجة إلى تحالفات أوسع لإجبار المشرعين على مراعاة مشاعر الرأي العام تجاه جماعات الضغط التي تمارسها الشركات.
تُشير حملات المقاطعة التي تستهدف الشركات المتواطئة والمعارضة الداخلية بين العاملين في مجال التكنولوجيا، مثل حركة “لا تكنولوجيا للفصل العنصري” التابعة لجوجل، إلى عوامل محتملة للمساءلة.
التكلفة البشرية وحساب أخلاقي
في هذه الأثناء، تتفاقم المعاناة على أرض الواقع. في خان يونس، ينتظر الأطفال قطرات من الماء المالح؛ وفي مدينة غزة، يبحث الأطباء عن بضع علب طعام منتهية الصلاحية. وكما يُحذر الصحفي بيتر بينارت: “الدماء على أيدينا كأمريكيين لأن أسلحتنا هي المسؤولة عن موت هؤلاء الأطفال جوعًا”.
ما لم يُتخذ إجراء عاجل – من المواطنين وصانعي السياسات على حد سواء – فإن العواقب الكارثية لتواطؤ الشركات الأمريكية في غزة ستستمر، وستتلاشى إمكانية التغيير الحقيقي أكثر فأكثر.