محادثات مباشرة بين إسرائيل وسوريا.. هل اقتربت دمشق من قطار التطبيع؟

في تطور دبلوماسي غير مسبوق، كشفت مصادر مطلعة وموثوقة عن إجراء مفاوضات مباشرة بين مسؤولين من إسرائيل وسوريا خلال الفترة الأخيرة.
وبحسب وكالة رويترز، تركزت هذه المحادثات، التي جرت بعيداً عن الأضواء، على بحث آليات عملية لخفض التوتر ومنع أي تصعيد عسكري محتمل على طول المنطقة الحدودية المتوترة بين البلدين.
دور واشنطن في تقارب إسرائيل وسوريا
تأتي هذه الخطوة المفاجئة بعد أسابيع قليلة من اللقاء الهام الذي جمع في الرياض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، وتزامن هذا اللقاء مع قرار أمريكي برفع بعض العقوبات المفروضة على دمشق، مما أثار تكهنات حول صفقة سياسية أوسع نطاقاً يجري الإعداد لها في الكواليس.
وتشير المصادر إلى أن الولايات المتحدة تلعب دوراً محورياً في تشجيع الإدارة السورية الجديدة، التي يقودها الإسلاميون بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد أواخر العام الماضي على يد هيئة تحرير الشام، على فتح قنوات حوار مع تل أبيب.
وفي المقابل، لوحظ تخفيف ملحوظ في وتيرة القصف الإسرائيلي على أهداف داخل الأراضي السورية خلال الفترة الماضية.
دلالات مفاوضات إسرائيل وسوريا
وفق تقارير فإن مجرد انخراط إدارة الشرع في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل يحمل في طياته دلالات سياسية عميقة، قد تصل إلى حد الاعتراف الضمني بالدولة العبرية، حتى وإن كان الهدف المعلن لهذه المحادثات هو استعادة السيادة على الأراضي المحتلة، وعلى رأسها هضبة الجولان.
وأكدت أربعة مصادر مطلعة – اثنان سوريان واثنان غربيان، بالإضافة إلى مصدر استخباراتي إقليمي رفيع المستوى – أن هذه الاتصالات المباشرة جاءت تتويجاً لمحادثات غير مباشرة كانت تجري بوساطات مختلفة منذ سقوط نظام الأسد.
وقد اشترطت جميع المصادر عدم الكشف عن هوياتها نظراً للحساسية البالغة لهذه القضية بالنسبة للطرفين، اللذين لا يزالان رسمياً في حالة حرب.
قيادة المفاوضات وشخصية الدالاتي
يقود الجانب السوري في هذه الاتصالات، بحسب المصادر، المسؤول الأمني البارز أحمد الدالاتي. الذي عُين محافظاً للقنيطرة المتاخمة للجولان المحتل فور سقوط الأسد، نُقل مؤخراً ليشغل منصب قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء الجنوبية، ذات الأغلبية الدرزية، والتي شهدت توترات أمنية مؤخراً.
عقدة الجولان وسيناريوهات المستقبل
تُعد قضية مرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل عام 1967، العقدة الرئيسية في الصراع السوري الإسرائيلي. ويعتقد المحللون أن أي مفاوضات جادة بين الطرفين لا بد أن تتطرق إلى مستقبل هذه المنطقة الاستراتيجية.
ولا يستبعد المراقبون طرح سيناريوهات تتضمن انسحاباً إسرائيلياً من الجولان مقابل ترتيبات أمنية صارمة وتطبيع كامل للعلاقات، وهو ما سيمثل، إن حدث، زلزالاً سياسياً في المنطقة.
ضغوط التطبيع وموقف الشرع
وكان ترامب، خلال لقائه بالشرع، قد طرح بوضوح فكرة انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام للتطبيع مع إسرائيل، بالإضافة إلى تولي دمشق مسؤولية إدارة ملف عناصر تنظيم “داعش” المحتجزين في شمال شرق البلاد.
ورغم أن الشرع لم يعلق مباشرة على دعوة التطبيع، إلا أنه أبدى تأييده للعودة إلى بنود اتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974، والتي أنشأت منطقة عازلة بإشراف الأمم المتحدة في الجولان.
بوادر حسن نية من دمشق
تسعى القيادة السورية الجديدة جاهدة لتقديم صورة مختلفة عن النظام السابق، مؤكدة أنها لا تشكل تهديداً لأمن إسرائيل أو دول الجوار.
وشملت بوادر حسن النية لقاءات مع ممثلي الطائفة اليهودية في دمشق والخارج، واعتقال عضوين بارزين في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية على خلفية دورهما في هجوم السابع من أكتوبر 2023، كما وافقت دمشق مؤخراً على تسليم مجموعة من المقتنيات الخاصة بالجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلي كوهين، الذي أُعدم في سوريا عام 1965، في لفتة رمزية ذات دلالة.
وفي رسالة رسمية إلى الخارجية الأمريكية الشهر الماضي، أكدت الخارجية السورية أن “سوريا لن تسمح بأن تصبح مصدر تهديد لأي طرف بما في ذلك إسرائيل”.
آفاق المحادثات بين إسرائيل وسوريا
وبينما تركز المحادثات المباشرة الحالية على القضايا الأمنية الملحة، مثل منع الاحتكاك العسكري والحد من التوغلات الإسرائيلية في القرى الحدودية السورية، تشير المصادر إلى أن هذه المفاوضات قد تكون مجرد بداية لتمهيد الطريق نحو تفاهمات سياسية أوسع وأعمق.
ونقل عن أحد المصادر المطلعة قوله: “هذه المحادثات تتعلق حالياً بالسلام والأمن… وليس بالتطبيع بعد”. لكن الطريق نحو التطبيع، وإن كان طويلاً، يبدو أنه قد فُتح للمرة الأولى منذ عقود.
اقرأ أيضا
من الهول إلى السجون.. هل تنهي قسد ودمشق وجود داعش في سوريا عبر اتفاق جديد؟