تاريخ وتراث

مدرسة الاشرف برسباى قيمة اثرية وقبلة دينية بشارع المعز

إعداد : إبراهيم عقرب

كان برسباي مملوكًا للسلطان برقوق، وأجمع المؤرخون على أنه جركسي الأصل، ولد حوالي سنة ٧٨٠هـ /١٣١٨م. قال المقريزي عنه “كان أبوه أوضع أهل بلاده قدرًا وأشدهم فقرًا، فأسلمه (أعطاه) لحداد كان ينفخ الكير حتى مات ذلك الحداد وتزوجت امرأته برجل فباع برسباي وهو صغير لرجل يهودي اسمه صادق، فخدمه مدة وتلقن أخلاقه وتطبع بطباعه، حتى جلبه إلى ديار مصر دقماق”.

المهم فضل برسباي مملوك لـ دقماق المحمدي الظاهري نائب ملطيه” ودي من بلاد الروم المشهورة وكانت للمسلمين ف الوقت ده  “

وبعدها أهداه للظاهر برقوق مع مجموعة من المماليك وكان عمره حوالي عشرين سنة، ومستمرش كتير كـ مملوك فأعتقه برقوق بعد فترة قصيرة.

استمر برسباي في جملة المماليك السلطانية لحد ما ترقى وأصبح “خاصكياً”. والخاصكية هم المماليك الذين يتولى السلطان تربيتهم ويلازمونه في كل وقت. ثم ترقى لـ “ساقٍ” في سلطنة “المنصور عبد العزيز بن الظاهر برقوق”. والوظيفة دي كان صاحبها مُكلف بمد السماط السلطاني وتشريح اللحم وسقي الأشربة بعد الانتهاء من الأكل.

ولما اختلف الناصر فرج بن برقوق مع مماليك أبيه وسابوه، خرج “برسباي” عن طاعة السلطان فرج وانضم لـ الأمير “إينال باي بن قجماس” وراح معاه لـ بلاد الشام، وبعدها انضم لـ الأميرين “شيخ وتوروز”. شيخ: هو المؤيد شيخ المحمودي. ثم قُتل السلطان “فرج” ورجع للقاهرة مع الأمير شيخ وأصبح أمير عشرة “أمير عشرة دي كانت رتبة من رتب الأمراء في عصر المماليك وكان صاحبها يتبعه عشرة من الفرسان”.

وبعدها اترقى لـ أمير “طبلخاناه”. وهذه الوظيفة كانت الرتبة الثانية من الأمراء، وكان الأمير منهم معه أربعون فارسًا لـ ثمانين.

واستمر في الوظيفة ثم ترقى لـ أمير مائة وتقدمة ألف، وبعدها تولى “كشف التراب” بالغربية. ومتولي الوظيفة كان بيمر علي الترع عشان لو فيها حاجه تعوق جريان المياه فيها والعمل علي صيانتها.

ثم تولي نائب “طرابلس”بعد ما عزل السلطان المؤيد شيخ- الأمير “بردبك الخليلي”  الـ كان نائب عليها، واستمر برسباي لحد ما هزمه التركمان “أحد القبائل التركية”  وقتلوا من مماليكه عدد كبير.

 فقام اعتقله المؤيد شيخ وسجنه في قلعة المرقب علي ساحل البحر المتوسط. وفضل مسجون لحد ما أفرج عنه المؤيد في سنة ٨٢٢هـ، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق. وده بعد شفاعة الأمير “ططر”. واستمر برسباي فـي دمشق لحد ما مات المؤيد.

ولما مات المؤيد لم يستمر ابنه أحمد في السلطنة بعد أبيه. فاستولى “ططر” على مقاليد الأمور، وطبعًا “جقمق” نائب دمشق خرج من طاعته وقبض على أتباع “ططر” ومنهم برسباي وسجنه في قلعة دمشق بسبب علاقته الوثيقة بططر.

ولما وصلت الحمله الـ بعتها المؤيد للشام قبل وفاته بقيادة “الطنبغا القرمشي” وفر جقمق ناحية الشمال، وأفرج الطنبغا عن برسباي، ولما راح ططر لـ دمشق استقبله برسباي، وراح معاه لـ “صرخد” لمطاردة جقمق، واتحايل برسباي و القاضي ابن مزهر علي جقمق أنه يسلم نفسه هو وأصحابه، وقبض عليهم نائب دمشق وانتهى أمرهم بالقتل.

وطبعًا بناءً على اللي فات، شوفنا إزاي برسباي اتودد لـ ططر، وخلع عليه “دوادار كبير”. ودي كانت وظيفة من الوظايف اللي بتوصل للسلطنة، وهي في المرتبة الرابعة بعد الأتابك.

لم يستمر  في الوظيفة  وجعله “ططر” قبل موته (لالا) لـ ابنه الملك الصالح محمد، وجعل جاني بك الصوفي مُدبر لمملكته واشتد النزاع على السلطة بين جاني بك وبين برسباي، وكان المرشح الطبيعي لها هو جاني بك.

استعان برسباي بواحد اسمه “بطراباي” كان بيحسن أساليب الإيقاع بأعدائه. وبمساعدة بقية الأمراء اللي انضموا لبرسباي، تغلَّب على جاني بك وقبض عليه وسجنه في سجن الإسكندرية. وبعد شهرين، تخلَّص برسباي من طراباي وسجنه في سجن الإسكندرية كمان.

وتولى برسباي الحكم في ٨ ربيع الآخر سنة ٨٢٥ هـ / ١٤٢٢ م، واستمرّ في الحكم لحد وفاته في ١٣ ذي الحجة سنة ٨٤١ هـ / ١٤٤٩ م، يعني حكم ستة عشر عامًا ونصف تقريبًا.

و الاشرف برسباى له مدرسة و موقعها في شارع المعز، وبيطل ضلعها الجنوبي علي شارع الحمزاوي الصغير، وخدت وقت كبير فـ إنشائها، وده كان سبب في اختلاف المؤرخين في تاريخ بنائها. والثابت في ابتداء الإنشاء زي ما مكتوب على الواجهه الرئيسيه “أولها شهر شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة…”

وتاريخ الانتهاء الثابت في حجة وقف السلطان برسباي ذُكر فيها أن استكمال وحدات المدرسة استمرّ لـ سنة 831 هـ. وتتكون المدرسة على شكل مستطيل مساحتها “1760 مترًا” طبعًا بخلاف ملحقات المدرسة زي السبيل والكُتاب والمكتبة والضريح وسكن الطلبة.

واجهة المدرسة طولها حوالي 37 مترًا ونصفًا، وأعلى الواجهة شريط كتابي بخط النسخ المملوكي نصه: “بسم الله الرحمن الرحيم” ﴿إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا﴾ إلى قوله تعالى ﴿وينصرك الله نصًرا عزيزًا﴾ صدق الله العظيم.

ونص إنشاء المدرسة: “أنشأ هذه المدرسة المباركة سيدنا ومولانا السلطان الأشرف أبو النصر برسباي خلَّد الله ملكه بمحمد وبآله يارب العالمين. وذلك بنظر العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الباسط ناظر الجيوش المنصورة. غفر الله له وللمسلمين في مدة شهر شعبان من سنة ست وعشرين وثمانمائة وآخرها سلخ جمادى الأول سنة سبع وعشرين وثمانمائة”. وقيل إن تاريخ الانتهاء الموجود على الواجهة هو تاريخ الانتهاء من أهم جزء وهو إيوان القبلة.

داخل المدرسة: يتوسطها صحن مكشوف مستطيل، يحيط به أربع إيوانات. ويحيط جدران الصحن من الأعلى شريط كتابي بخط الثلث المملوكي نصه: “بسم الله الرحمن الرحيم” ﴿في بيوت أذن الله أن تُرفع ويذكر فيها اسمه﴾ إلى قوله تعالى ﴿ولله ملك السموات والأرض وإلى الله المصير﴾.

وإيوان القبلة مستطيل وفُرشت أرضيته بالرخام الملون، وسقفه مُزخرف بنقوش زيتية جُدِّدت في العصر التركي. وفيه محراب مجوف مكسي بالفسيفساء الرخامية.

والمنبر من الخشب المُزخرف بطريقة الحشوات المُطعمة بالعاج والصدف. وفي نفس الإيوان أيضًا يوجد كرسي المصحف من الخشب المطعم بالعاج والصدف.

وبيقابل إيوان القبلة الإيوان الغربي مستطيل الشكل وسقفه خشب قديم يرجع إلى تاريخ إنشاء المدرسة مزخرف برسوم زيتية مذهبة. وأجمل حاجة فيه أنه محتفظ بالزخارف والرونق بتاعه عكس إيوان القبلة.

والإيوان الشمالي والجنوبي أصغر من إيوان القبلة وإيوان الغربي. والضريح جنب إيوان القبلة في الركن الشمالي. وفيه تركيبتان كبيرتان من الرخام مكتوب عليهما: “هذا ضريح المرحومة فاطمة جهة المقام الأشرف الشريف، زوجة السلطان برسباي، توفيت سنة ٨٢٧ هـ”. والتركيبة الثانية أصغر من الأولى، وتحتها قبر ابن السلطان برسباي المتوفى سنة ٨٣٣ هـ.

“المئذنة” تقع فوق الواجهة الرئيسية على يمين المدخل الرئيسي. وهي على قاعدة تبدأ من سطح المدرسة، وتتكون من ثلاثة طوابق: الطابق الأول مربع، والثاني اسطواني، والثالث عبارة عن جوسق مكون من ثمانية أعمدة.

زر الذهاب إلى الأعلى