مستعد للقاء أردوغان| هل تفتح تصريحات زعيم قسد الباب أمام تسوية كردية-تركية في سوريا؟

في تطور لافت يعكس تغيرًا جذريًا في موازين القوى داخل سوريا، أعلن قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، عن وجود قنوات اتصال مباشرة بين قواته وتركيا، مؤكدًا انفتاحه على تحسين العلاقات مع أنقرة، بل ولم يستبعد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المستقبل.
تصريحات عبدي، التي بثتها وسائل إعلام كردية، أثارت جدلًا واسعًا بالنظر إلى تاريخ الصراع الدموي بين الطرفين، لكنها في الوقت ذاته تعكس مناخًا إقليميًا ودوليًا يزداد انفتاحًا على تسويات غير تقليدية.
قائد قسد من خطاب المواجهة إلى لغة الحوار
تُعد هذه التصريحات تحوّلًا كبيرًا في خطاب “قسد”، التي طالما اتُّهمت من قبل تركيا بأنها الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، المصنف كمنظمة إرهابية من أنقرة وواشنطن.
وعلى مدار سنوات الحرب، خاضت قوات “قسد” مواجهات دموية مع الجيش التركي والفصائل السورية المدعومة من أنقرة، في شمال وشرق سوريا، ما رسخ علاقة قائمة على العداء والاشتباك العسكري.
لكن اليوم، وبحسب عبدي، فإن “قسد” ليست في حالة حرب مع تركيا، بل ترى في الحوار فرصة لتقليل التوتر، وإعادة تموضعها ضمن مشهد سوري يزداد تعقيدًا بعد سقوط نظام بشار الأسد، ونجاح الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع في كسر عزلتها الدولية.
حل “العمال الكردستاني” بوصلة التغيير في خطاب قائد قسد
وفق تقارير فإن التحول في موقف “قسد” لا يمكن فصله عن الحدث الأبرز الذي هزّ أوساط الأكراد في المنطقة، وهو إعلان حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه مطلع الشهر الجاري، بناءً على توصية مباشرة من زعيمه المعتقل عبد الله أوجلان.
القرار، الذي أنهى أربعة عقود من العمل المسلح، اعتُبر خطوة ثورية، تُعيد صياغة علاقة القوى الكردية بالدولة التركية، وتفتح الباب أمام تسويات سياسية طال انتظارها.
عبدي كشف خلال المقابلة عن وجود وساطات تتم عبر أطراف ثالثة، لكنه لم يكشف عن هوية هذه الأطراف. مصادر سياسية مطلعة رجّحت أن تكون الولايات المتحدة على رأس هذه الوساطات، خاصة في ظل التقارب المتزايد بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
هل يلتقي قائد قسد بـ أردوغان؟
ورغم حساسية المشهد، لم يستبعد عبدي إمكانية لقاء الرئيس التركي. بل ذهب أبعد من ذلك حين أكد أنه “منفتح على تطوير العلاقات إذا كانت النية صادقة”. وأضاف: “ليس لدينا خطط فورية للقاء، لكن لا نرفض هذا المبدأ”.
كلمات عبدي أثارت تساؤلات حول ما إذا كان هذا التحول حقيقيًا، أم مجرد محاولة لكسب الوقت وتخفيف الضغط التركي. كما لم تصدر أنقرة أي تعليق رسمي حتى الآن، ما يفتح الباب للتكهنات بشأن نواياها، وحقيقة الاتصالات الجارية خلف الكواليس.
قسد بين مطرقة داعش وسندان أنقرة
ورغم انفتاحها على الحوار، لا تزال “قسد” تواجه ضغوطًا عسكرية حادة من تركيا والفصائل الموالية لها. وتخشى من تصعيد قد يُفقدها سيطرتها على مناطق واسعة في الرقة والحسكة ودير الزور.
وفي الوقت نفسه، تدرك “قسد” أن مسؤوليتها في مكافحة خلايا تنظيم “داعش”، والتي لا تزال تنشط في البادية السورية، تتطلب دعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا من التحالف الدولي، وتفاهمًا أمنيًا مع تركيا.
خريطة سورية جديدة
تصريحات عبدي تأتي في وقت تتبلور فيه ملامح خريطة سياسية جديدة لسوريا. دمشق لم تعد خاضعة للعقوبات، والحدود التركية السورية قد تُعاد هيكلتها ضمن اتفاقات أمنية شاملة، والقوى الكردية تتجه نحو خطاب وطني جامع، بعد سنوات من الخطابات القومية الانفصالية.
لكن يبقى السؤال: هل ما زالت أنقرة ترى في “قسد” تهديدًا أمنيًا؟ أم أن المتغيرات فرضت على تركيا إعادة النظر في استراتيجيتها، وقبول تفاهمات مرحلية مع خصوم الأمس؟
اقرأ أيضًا: من “معاداة السامية” إلى “الحرب الصليبية”.. كيف تُرهب إسرائيل ماكرون وقادة أوروبا؟