مسيرات رخيصة الثمن بدلا من صواريخ بملايين الدولارات| كيف تفكر أوروبا في تطوير دفاعها الجوي

تشهد أوروبا أخطر تهديد جوي منذ الحرب العالمية الثانية، وتُعد الطائرات الاعتراضية بدون طيار محور هذه المعركة الجوية الحديثة، حيث تبرز بسرعة كأهم سلاح في الحرب الآلية.

وفقا لتحليل التليجراف البريطانية، لا يقتصر تأثيرها على تغيير مسار الصراع الروسي الأوكراني فحسب، بل يُطلق أيضًا سباق تسلح تكنولوجي عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) وخارجه.

أسراب الطائرات بدون طيار الروسية: عامل تغيير قواعد اللعبة

شهدت هجمات الطائرات بدون طيار الروسية تطورًا مذهلاً. فقد شملت أول ضربة رئيسية على كييف في أكتوبر 2022 استخدام 30 طائرة بدون طيار من طراز “شاهد”، وهي طائرات بدون طيار انتحارية إيرانية الصنع، تشتهر الآن بتكلفتها المنخفضة (20000-50000 دولار للطائرة الواحدة) وتأثيرها الكبير. ومنذ ذلك الحين، شهدت أسراب الطائرات بدون طيار الروسية نموًا هائلاً من حيث الحجم والوتيرة.

شهد أحدث وأكبر هجوم جوي إطلاق 539 طائرة مسيرة و11 صاروخًا في ليلة واحدة. تمكنت الدفاعات الجوية الأوكرانية من إسقاط ما يقرب من 90% من الطائرات المسيرة، بمساعدة إجراءات مضادة إلكترونية، إلا أن حجم هذه الهجمات يُرهق موارد أوكرانيا إلى حد الانهيار.

يشير مارسيل بليشتا، محلل استخبارات سابق في الجيش الأمريكي وخبير في حرب الطائرات المسيرة، إلى أن “صاروخ الدفاع الجوي التقليدي، حتى وإن كان رخيصًا نسبيًا، قد يكلف ثلاثة أو أربعة أضعاف تكلفة الطائرة المسيرة التي يُسقطها. والتكاليف الاقتصادية مُرهقة”.

سباق التسلح المُتصاعد: رد أوكرانيا

استراتيجية روسيا واضحة: إغراق الدفاعات الأوكرانية بأعداد هائلة. في غضون أيام قليلة من الشهر الماضي، أطلقت روسيا مئات من صواريخ “شاهد” وطائرات مسيرة مُضللة. ويُحذر المسؤولون الأوكرانيون الآن من أن روسيا قد تنشر قريبًا ما يصل إلى 1000 طائرة مسيرة يوميًا.

تُوفر الإجراءات المضادة الإلكترونية وفرق الدفاع الجوي المتنقلة المُجهزة بالرشاشات بعض الحماية، إلا أن اتساع نطاق الهجمات يجعل الدفاع الصاروخي التقليدي غير مُستدام.

يقول القادة الأوكرانيون إن الحل يكمن في الطائرات الاعتراضية بدون طيار – وهي مركبات جوية بدون طيار مصممة خصيصًا لإسقاط طائرات العدو المسيرة.

تمت الموافقة بالفعل على خمسة نماذج للاستخدام العسكري في أوكرانيا، بدءًا من الطائرات ذات الأجنحة الطائرة التي تشبه قاذفات الشبح المصغرة، وصولًا إلى طائرة “ستينج”، وهي طائرة بدون طيار مصممة لصدم وتعطيل طائرات “شاهد”.

تتسابق شركات الدفاع الغربية أيضًا لسد هذا النقص. فقد طورت شركة MARSS البريطانية طائرة اعتراضية صليبي الشكل، بينما تقدم شركة التكنولوجيا الأمريكية Anduril طائرتي Roadrunner وAnvil، وهما طائرتان بدون طيار تتعقبان وتدمران طائرات العدو المسيرة بشكل مستقل.

يقول بليشتا، مشيرًا إلى مرونة شركات الدفاع التكنولوجي الناشئة مقارنةً بالشركات العملاقة التقليدية: “إن الجانب الدفاعي الذي يعتمد على “التكنولوجيا المتقدمة” هو الأسرع نموًا”.

تحديات حرب الطائرات المسيرة ضد الطائرات المسيرة

لا تخلو الطائرات الاعتراضية بدون طيار من بعض القيود. فبحكم تصميمها، يجب أن تكون أسرع وأكثر تكلفة في كثير من الأحيان من الطائرات المسيرة التي تصطادها. يعتمد بعضها على رؤوس حربية متفجرة؛ بينما يعمل البعض الآخر كمدكّات.

القدرة على البقاء والسرعة والانتشار الواسع النطاق عوامل أساسية، وكذلك العنصر البشري، حيث لا تحتاج الجيوش إلى آلاف الطائرات المسيرة فحسب، بل تحتاج أيضًا إلى عدد كافٍ من الطيارين المدربين أو الذكاء الاصطناعي المتقدم لتشغيلها.

الحجم هو العامل الحاسم. وكما يوضح بليشتا: “تحتاج إلى طائرة اعتراضية واحدة على الأقل لكل شاهد، موزعة على مناطق الأهداف المحتملة، مع مرونة لتغيير التكتيكات الروسية”. تتزايد المتطلبات اللوجستية بسرعة، مما يجعل التكلفة وقابلية التوسع مسألتين مستمرتين.

ما وراء الطائرات المسيرة: مستقبل الدفاع الجوي

لا يوجد حل واحد قادر على توفير حماية كاملة. وكما يقول يوري إغنات، المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية: “الدفاع الجوي المضاد للطائرات المسيرة نظام معقد”.

تتميز الطائرات الاعتراضية المسيرة بمدى محدود، وتتطلب رادارات تكتيكية للتوجيه، ويمكن أن تُعطل بسبب سوء الأحوال الجوية. لهذا السبب، تواصل أوكرانيا الاعتماد على مزيج من مقاتلات ميج-29 وإف-16، وصواريخ باتريوت، وحتى الرشاشات البدائية المثبتة على الشاحنات. تلعب كل طريقة دورًا حيويًا، حيث تمثل ما يقرب من نصف جميع عمليات الاعتراض.

الابتكار مستمر: زودت المملكة المتحدة أوكرانيا بصواريخ ASRAAM المُعدّلة لإطلاقها من الشاحنات، بينما لا تزال الحرب الإلكترونية – التشويش والتشويش المضاد لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والترددات اللاسلكية – ساحة معركة ديناميكية.

تعلم مشغلو الطائرات الروسية استخدام شبكات الهاتف المحمول الأوكرانية لتوجيه طائراتهم المسيرة؛ وتعمل الفرق الأوكرانية على قطع هذه القنوات.

ضرورة أوروبية

هذه ليست معركة أوكرانيا فحسب. يبحث حلفاء الناتو بشكل عاجل عن حلول للهجمات الجماعية بالطائرات المسيرة، ويستثمرون مليارات الدولارات في دفاعات الجيل التالي. يعد مدفع الليزر البريطاني “DragonFire” بإطلاق طلقات رخيصة للغاية على الطائرات المسيرة القادمة، بينما يستخدم سلاح الطاقة “RapidDestroyer” موجات راديو عالية التردد لتدمير إلكترونيات الطائرات المسيرة بتكلفة زهيدة لكل ضربة.

لكن بناء هذه الأنظمة مكلف، وقد تصبح هي نفسها أهدافًا رئيسية. يقول خبير حرب الطائرات المسيرة، زاكاري كالينبورن: “إطلاقها رخيص، ولكن ماذا يحدث إذا فجّرها خصمك قبل أن تتمكن من استخدامها؟” يمكن أن تؤثر الظروف الواقعية – الطقس وحجم الطائرة بدون طيار وزوايا الهجوم – على الأداء.

اقرأ أيضا.. الإرث الخطير للحرب بالوكالة.. هل تثق إسرائيل في ميليشيا أبو الشباب في غزة؟

توسيع النطاق: دروس من التاريخ

تُحاكي حرب الطائرات المُسيّرة الحالية معركة بريطانيا، ولكن مع فارق رئيسي: فبينما كانت “القلة” تُقاتل قاذفات سلاح الجو الألماني (لوفتفافه)، فإن المسألة اليوم تتمحور حول نشر عدد كافٍ من الطائرات الاعتراضية المُسيّرة لمواجهة أسراب الطائرات المُسيّرة المُستمرة. يقول بليشتا: “الأمر يتعلق بتوسيع النطاق والعدد، ليكون لدينا ما يكفي من هذه الطائرات في المكان والوقت المُناسب”.

إلى حين ظهور حلول أكثر استدامة، فإن أفضل دفاع لأوكرانيا – وأوروبا – ضد أسراب الطائرات المُسيّرة المُعادية سيكون نشر المزيد من الطائرات الاعتراضية الخاصة بها. مع نضوج التكنولوجيا وانخفاض التكاليف، قد تتوقف نتيجة هذا العصر الجديد من الحرب الجوية على أي جانب يُمكنه الابتكار والتكيف والتوسع بشكل أسرع.

زر الذهاب إلى الأعلى