مشروع الحمض النووي.. أبوظبي تحول قاعدة بيانات جينية إماراتية لمنجم ذهب وعمل تجاري

يتطور سعي أبوظبي للاستفادة من البيانات الجينية والحمض النووي الإماراتي إلى مسعًى بالغ الأهمية ومُربح، بقيادة أحد أبرز الشخصيات الإماراتية، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.

ووفقًا لتقرير فاينانشال تايمز، يبشر هذا المشروع، الذي يتمحور حول جمع كميات كبيرة من الحمض النووي الإماراتي، بفتح آفاق جديدة في مجال الرعاية الصحية والأعمال.

منجم ذهب الحمض النووي

في مختبر متطور يقع أسفل منطقة أبوظبي للعلوم والتكنولوجيا، تُشكّل شبكة من أجهزة الطرد المركزي، وأجهزة التسلسل الجيني، والمجمّدات الصناعية، جوهر مبادرة جديدة طموحة.

يُشاد ببرنامج الجينوم الإماراتي (EGP)، وهو قاعدة بيانات شاملة للمعلومات الجينية للسكان المحليين، كمورد قويّ قادر على إحداث ثورة في مجال البحث الطبي. مع تسلسل 802000 جينوم، 702000 منها تعود لإماراتيين، يُصنف هذا الكنز الجيني من بين أكبر وأكثر مجموعات بيانات السكان تفصيلاً على مستوى العالم.

أشار جورج هابر، الرئيس التنفيذي لمستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي التابع لـ M42، إلى قاعدة البيانات بأنها “منجم ذهب للبيانات”، مؤكداً على قيمتها الهائلة للاكتشافات الطبية المستقبلية. تُعدّ هذه المجموعة، التي تُركز بشكل كبير على السكان الإماراتيين، عنصراً أساسياً في استراتيجية أبوظبي الأوسع لتنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على عائدات النفط.

رؤية الشيخ طحنون ومشاركته

يرتبط مشروع “إم 42” – M42، تكتل الرعاية الصحية الذي يقود المشروع، ارتباطاً مباشراً بالشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو شخصية نافذة في العائلة المالكة. ويمتد تأثير الشيخ طحنون إلى ما هو أبعد من الأمن الوطني ليشمل القطاعين الاقتصادي والتكنولوجي، بما في ذلك استثمارات M42 الطموحة في علم الوراثة.

تأسس مشروع “إم 42” عام 2022 نتيجة اندماج شركتي مبادلة و”جي 42″، وهي مجموعة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، ويُعد الآن لاعبًا رئيسيًا في قطاعي الصحة والتكنولوجيا الحيوية. ويُقال إن الشيخ طحنون، المؤيد القوي للتقنيات التي تهدف إلى زيادة متوسط ​​العمر المتوقع، منخرط بعمق في استراتيجية المشروع وأهدافه طويلة المدى.

اقرأ أيضًا: من كلينتون إلى ترامب.. كيف تلاعب بوتين بالرؤساء الأمريكيين وأغراهم؟

تجاوز التحديات والخلافات

قُوبِل المشروع في البداية بتشكك، لا سيما من الإماراتيين الذين ترددوا في تقديم البيانات الجينية. ومع ذلك، ساعدت مشاركة شخصيات بارزة من العائلة المالكة الإماراتية، بمن فيهم وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد، في اكتساب ثقة الجمهور.

عززت جائحة كوفيد-19 المشاركة بشكل أكبر، حيث استفاد مشروع “إم 42” من الاختبارات المتعلقة بالجائحة لتوسيع قاعدة البيانات الجينية.

على الرغم من نجاحه في جمع البيانات، واجه البرنامج نصيبه من الانتقادات. وتُعدّ المخاوف بشأن الخصوصية والمراقبة أمرًا شائعًا في أبوظبي، وهي ملكية مطلقة تتمتع بسيطرة كبيرة على مواطنيها.

بالإضافة إلى ذلك، واجهت M42 تدقيقًا في الولايات المتحدة بسبب علاقاتها بالصين، لا سيما فيما يتعلق بمعهد بكين للجينوم المدرج في القائمة السوداء. ردًا على ذلك، بذلت M42 جهودًا للنأي بنفسها عن الكيانات الصينية، بما في ذلك سحب استثماراتها من بعض الشركات وإزالة أجهزة هواوي من أنظمتها.

الحمض النووي الإماراتي: الإمكانيات التجارية والأثر العالمي

من المتوقع أن يكون لقاعدة البيانات الجينية الضخمة لـ M42 آثار عميقة على الصحة العالمية، لا سيما في معالجة الأمراض الوراثية السائدة في الإمارات العربية المتحدة، مثل تلك الناتجة عن الزواج المختلط.

كما يمكن أن توفر مجموعة البيانات رؤى ثاقبة حول قضايا صحية أوسع نطاقًا، مما يعكس نجاحات قواعد البيانات الجينية الكبيرة الأخرى مثل البنك الحيوي البريطاني، الذي حقق إنجازات كبيرة في أمراض مثل باركنسون والسمنة.

من منظور تجاري، تهدف استراتيجية M42 إلى جذب شركات الأدوية من خلال توفير ليس فقط إمكانية الوصول إلى البيانات، ولكن أيضًا مسارًا للتعاون ضمن نظام الرعاية الصحية في الإمارات العربية المتحدة.

تتجلى إمكانات الشراكات الدولية جليةً، حيث تُجري M42 محادثات مع شركات أدوية عالمية، ووقعت مؤخرًا مذكرة تفاهم مع أوزبكستان لبرنامج جينوم مشترك.

مستقبل بيانات متنوعة

تتطلع M42 إلى توسيع قاعدة بياناتها الجينية من خلال تضمين عينات من المغتربين المقيمين في الإمارات العربية المتحدة. ومن خلال تنويع قاعدة البيانات، تأمل M42 في تعزيز جاذبية البرنامج لشركات الأدوية العالمية، وخاصةً تلك المهتمة بالبحث في فئات سكانية أو أمراض محددة، مثل داء السكري، وهو مرض شائع بين الإماراتيين.

يعزز دمج الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه المجموعات الضخمة من البيانات الميزة التنافسية لـ M42. كما تستكشف الشركة فرص التعاون مع حكومات دول أخرى، مثل كينيا وماليزيا وإندونيسيا، لتوسيع مواردها الجينية ومشاركة رؤاها مع المجتمع الطبي العالمي.

المخاوف الأخلاقية وخصوصية البيانات

في حين تؤكد M42 التزامها بحماية خصوصية المشاركين وضمان الاستخدام الآمن للبيانات الجينية، إلا أن سرية البرنامج أثارت تساؤلات. فقد أثار النظام الملكي المطلق في الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب قدراته الرقابية، مخاوف بشأن احتمال إساءة استخدام المعلومات الشخصية. يواصل النشطاء مراقبة المشروع عن كثب، نظرًا للسياق السياسي الذي يعمل فيه.

وتؤكد M42 أن جميع البيانات مجهولة المصدر، وأن بروتوكولات صارمة معمول بها لمنع إساءة الاستخدام. إلا أن احتكارها للوصول إلى هذه البيانات الجينية أثار جدلًا حول الشفافية والحدود الأخلاقية في استخدام المعلومات الصحية الشخصية لأغراض تجارية.

زر الذهاب إلى الأعلى