مصر تستدعي تراثها المعماري في تصميم محطات قطاراتها السريعة (صور)

بينما تمضي مصر قدمًا في تنفيذ أكبر شبكة للقطارات الكهربائية السريعة في تاريخها الحديث، لم تغفل عن البُعد الحضاري في التصميمات المعمارية لمحطاتها الرئيسية، لتُعيد إحياء تراثها القديم بأسلوب عصري. وتبرز محطتا الأقصر والإسكندرية كنموذجين يعكسان هذا التوجّه، حيث جرى تصميمهما على طرازين مستوحى من عمق الهوية المصرية: الفرعونية والهيلينية.

محطة الأقصر.. معبد حتشبسوت يعود بروح حديثة

جاء تصميم محطة الأقصر ضمن الخط الثاني من شبكة القطارات السريعة، والممتد من 6 أكتوبر حتى أسوان، ليحاكي في خطوطه المعمارية معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري، أحد أبرز معابد البر الغربي.

فواجهة المحطة تعتمد على تدرّج معماري يشبه المدرجات الحجرية للمعبد، مع ممرات تصاعدية واسعة ومداخل تحتضنها أعمدة ضخمة، مستوحاة من الطرازات الفرعونية. وتمتد عناصر التشابه إلى الداخل، حيث تُقسّم قاعات الانتظار والمداخل بطريقة تستحضر التسلسل المعماري للمعبد الأصلي، لكن بتقنيات إنشائية حديثة.

ويُنظر لمحطة الأقصر للقطار السريع كجسر بين الماضي والحاضر، إذ لا تخدم فقط المسافرين، بل تقدّم تجربة بصرية وسياحية لزوار المدينة التاريخية.

محطة الإسكندرية.. لمسة هيلينية بهوية مصرية

أما محطة الإسكندرية، الواقعة على جزيرة صناعية داخل بحيرة مريوط ضمن الخط الأخضر من العين السخنة إلى مطروح، فجاء تصميمها مستوحى من العمارة الهيلينية، التي كانت سائدة في مدينة الإسكندرية خلال العصر البطلمي بعد تأسيسها على يد الإسكندر الأكبر.

وتُعد العمارة الهيلينية مزيجًا من العمارة الإغريقية الكلاسيكية ولكن بأيدٍ ولمسات محلية من العمارة المصرية القديمة والشرق الأدنى، ما يجعلها أكثر زخرفة وثراءً وتنوعًا في الوظائف مقارنة بالطراز الإغريقي الصارم والبسيط.

في هذا السياق، يعتمد تصميم محطة الإسكندرية على واجهات متناظرة ذات أعمدة مستوحاة من الطراز الأيوني والكورنثي، لكنها تُنفّذ بأسلوب معماري معاصر يستلهم الفضاءات العامة، والانفتاح، والربط بين البنية الوظيفية والجمالية.

وتسعى هيئة الأنفاق والنقل السريع، بالتعاون مع شركة “سيمنس موبيليتي”، إلى جعل هذه المحطة لا تقل في رمزيتها عن مكتبة الإسكندرية الحديثة، كواجهة معمارية تعكس هوية المدينة التاريخية كمركز حضاري عالمي.

فلسفة معمارية تربط النقل بالهوية

يعكس اعتماد هذه الطرازات رغبة الحكومة المصرية في دمج التراث المعماري المحلي مع مشاريع البنية التحتية الحديثة، لتكون محطات القطارات السريعة ليست فقط مراكز نقل، بل أيضًا معالم معمارية تُجسّد الشخصية الفريدة لكل مدينة.

ويأتي ذلك ضمن خطة تصميم محطات الشبكة الجديدة التي تتضمن 3 خطوط رئيسية بطول إجمالي يقترب من 2000 كم، يجري تنفيذها بالشراكة مع سيمنس الألمانية وأوراسكوم للإنشاءات والمقاولون العرب.

وقد صرّحت وزارة النقل أن هذه الفلسفة تهدف إلى تحويل كل محطة رئيسية إلى علامة حضارية بصرية وسياحية قائمة بذاتها، تتكامل مع موقعها الجغرافي والتاريخي.

قطار مصر السريع.. سادس أكبر شبكة قطارات سريعة في العالم

القطار السريع المصري هو أول شبكة قطارات كهربائية فائقة السرعة في تاريخ مصر وتعد سادس أكبر شبكة من نوعها في العالم، يجري تنفيذها على ثلاث مراحل بطول إجمالي يقارب 2000 كيلومتر، لتربط بين مدن البحر الأحمر والمتوسط، والمناطق الحضرية والحدودية، في مسارات تمتد من العين السخنة إلى مرسى مطروح، ومن 6 أكتوبر إلى أسوان، ومن قنا إلى الغردقة وسفاجا.

ويُنفذ المشروع بالتعاون مع شركة سيمنس موبيليتي الألمانية، بالشراكة مع أوراسكوم كونستراكشون والمقاولون العرب، وتصل السرعة التصميمية للقطارات إلى 250 كم/ساعة، مما يختصر زمن الرحلات إلى أقل من نصف الوقت المعتاد، ويوفر وسيلة نقل آمنة وسريعة وصديقة للبيئة. ويشمل المشروع قطارات فائقة السرعة من طراز Velaro، وقطارات إقليمية لنقل الركاب بين المدن، إضافة إلى قطارات بضائع لتعزيز كفاءة سلاسل الإمداد بين المناطق الصناعية والموانئ.

وتمثل هذه الشبكة واحدة من أكبر مشاريع النقل في أفريقيا، وتهدف إلى إعادة رسم الخريطة الاقتصادية والسياحية لمصر، مع توفير عشرات الآلاف من فرص العمل، وفتح آفاق جديدة للنمو العمراني والاستثماري في أنحاء الجمهورية.

اقرأ أيضا.. القاهرة تعيد إحياء فنادقها التاريخية وتحول مقراتها الحكومية إلى فنادق عالمية