مصر تعزز مبادلة الديون بالاستثمارات.. خبراء يكشفون أسباب بطء التنفيذ والتحديات

القاهرة (خاص عن مصر)، أزمات اقتصادية غير مسبوقة تعصف بكل اقتصادات العالم خلال الوقت الحالي، فما بين ارتفاع لمعدلات التضخم، وزيادة في معدلات الديون الخارجية، وتأثر سلاسل الإمداد، وارتفاع شديد في أسعار السلع، أصبحت الأزمات الاقتصادية هي “الحاكم بأمره” والسبب الرئيسي لمعاناة الشعوب.

الحروب في كل مكان، في الشرق والغرب، فلم تنته حرب روسيا وأوكرانيا، ولم يصل العالم بعد إلى حل لما يحدث في الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على غزة ولبنان، والنتيجة الحتمية لذلك هو ما يعانيه الاقتصاد في الدول المحيطة بتلك الحروب.

اقرأ أيضا: مصر تطالب بتعزيز مبادلة الديون بالاستثمارات كأحد أهم الحلول لأزمة الديون

تحديات عديدة تواجه الاقتصاد المصري

ولأن مصر دائمًا ما تكون في قلب أي حدث، جاءت تلك الحروب لتزيد من حجم التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري، الذي لم يكد يلتقط أنفاسه من تأثيرات جائحة كورونا التي بدأت عام 2019 واستمرت لما يقرب من 3 أعوام، حتى جاءت تلك الحروب لتكتب فصلاً جديدًا فيما يشهده الاقتصاد المصري من تاثيرات سلبية.

ولأن تلك الظروف لم يشهدها العالم من قبل، بدأت الحكومة المصرية التفكير في حلول خارج الصندوق لتجاوز العقبات والتحديات التي تحيط بها من كل جانب، ومن بينها ما صرّح به أحمد كجوك وزير المالية، من أنه لابد من التوسع في عمليات مبادلة الديون مع الدول باستثمارات إضافية، حيث تستهدف مصر تحويل ما يقرب من 38% من الديون الخارجية إلى استثمارات بحلول العام 2030.

مبادلة الديون مع إيطاليا وألمانيا

الأمر قد لا يبدو جديدًا، إذ إن مصر قد بدأت فيه بالفعل منذ فترة ولعل النموذج الإيطالي والألماني هو خير دليل على ذلك، حيث تنفذ مصر برنامجين لمبادلة الديون مع إيطاليا منذ عام 2001 ومع ألمانيا منذ عام 2011 بقيمة 730 مليون دولار لنحو 120 مشروعًا تنمويًا على أن يجري التوسع في البرامج مع دول أخرى، ولكن الأمر لا يسير بالسرعة المطلوبة التي يمكن من خلالها الوصول إلى مرحلة “تصفير الديون” مع تلك الدول.

مع إيطاليا يتم تنفيذ برنامج مبادلة الديون من خلال لجنة برئاسة وزيرة التخطيط والتعاون الدولي وسفير إيطاليا بالقاهرة، أو من ينوب عنهما، بحيث تعمل اللجنة على اختيار المشروعات التي سيتم تمويلها في إطار آلية المبادلة وفقًا لأولويات محددة متفق عليها بين حكومتي البلدين.

كما تُشكل اللجنة وحدة للدعم الفنى تتابع تنفيذ الأنشطة المخططة، بالإضافة إلى مراجعة خطط العمل والخطط المالية الخاصة بالمشروعات التي يتم تنفيذها، وتقديم تقرير نهائي للجنة بشأنها لاعتمادها مع تحديثها باستمرار وفقًا لمعدلات الإنجاز في تلك المشروعات.

أما ألمانيا فتقوم أيضًا وزارة التخطيط والتعاون الدولي، بتحديد قائمة من المشروعات التي يتم تمويلها من برنامج مبادلة الديون من خلال الاتفاق مع بنك التعمير الألماني والجهة المستفيدة من تنفيذ المشروع للاتفاق على التفاصيل الفنية، وعقب الحصول على الموافقات اللازمة يتم توقيع الاتفاق التمويلي.

تعزيز التعاون بين الدول الدائنة والمدينة

من جانبه أكد د. وليد جاب الله الخبير الاقتصادي، أن برنامج مبادلة الديون بالاستثمارات هو أحد الآليات المهمة التي تلجأ إليها الحكومات لزيادة التعاون وتسوية المديونيات مع الدول الدائنة، كما أنها إحدى الوسائل المهمة لتعزيز المصالح المشتركة بين الدول المدينة والدائنة، وأشار إلى أن مصر لها تجارب سابقة ناجحة مع ألمانيا وإيطاليا، كما أنها تجري محادثات حاليًا لتنفيذ برنامج مشابه مع الصين.

وأشار “جاب الله” في تصريحات لـ”خاص عن مصر“، إلى أن الآلية من حيث المبدأ لا مشكلة فيها، لكن التحدي الأكبر يكمن في التفاوض حول آلية تحويل الديون إلى استثمارات، مع اختيار الاستثمارات المناسبة التي تتوافق مع الجانبين، وأضاف أن هذا التحدي هو ما لا تستطيع كثير من الدول الوفاء به، ما يتسبب في إبطاء الأمر وعدم الوصول إلى النتائج المنشودة.

استثمارات ضعيفة مقارنة بحجم الديون

وأوضح أنه في كثير من الأحيان تكون النتيجة النهائية أن الاستثمارات المتفق عليها في إطار هذه البرنامج ضعيفة أو محدودة وقارنة بحجم الدين الأصلي بين الدولتين، كما أن من بين المشكلات التي تجعل الأمر أبطأ في التنفيذ أيضًا أن بعض من الديون قد لا تكون لجهات حكومية ولكن لبنوك استثمارية أو مؤسسات خاصة وهو ما يجعل تحديد قائمة الاستثمارات أو المشروعات المشتركة أمرًا ليس باليسير.

وأكد أنه على الرغم من ترحيب كثير من الدول بتنفيذ مثل تلك البرامج، إلا أن التفاصيل الفنية في التفاوض، والمشروعات التي تخدم أهداف الطرفين تظل هي اللاعب الأساسي الذي يحكم نجاح الوصول إلى الهداف التي ترسمها الحكومة لنفسها منذ البداية.

كثرة الفرص الاستثمارية في مصر

بينما قال د. محمد البهواشي الخبير الاقتصادي، إن الفكرة تحمل كثير من المرونة بهدف استخدام أدوات الدولة المتاحة من أجل تقليل الديون الخارجية، وأشار إلى أن مصر تمتلك الكثير من الفرص الاستثمارية التي يبحث عنها أهل الاستثمار، والتي يمكن أن تحقق النجاح للبرنامج.

وأشار في تصريحات لـ”خاص عن مصر“، إلى أن التحدي الأهم لتحقيق النجاح هو أن يدار البرنامج بفكر المستثمر وليس الفكر الحكومي، فالمستثمر سواء المحلي أو الأجنبي يسعى لتحقيق الأرباح، وبالتالي يجب إنهاء كل أشكال البيروقراطية والروتين في المصالح والمؤسسات الحكومية التي تعطل ما تقوم به الدولة من تحركات، فبعض الموظفين يجب أن يتم منحهم الجرأة المطلوبة لاتخاذ القرار مع حفظ حق الدولة، لكن دون أن يكون الموظف سببًا في هروب الاستثمار الذي جذبته الدولة.

وأكد أن المشروعات القومية نفذتها الدولة بأعلى جودة ممكنة، وهي الآن يمكن أن تدار بواسطة القطاع الخاص، أو طرح ما بها من فرص أمام الجهات المدينة، لأنها ستكون أكثر قدرة على إدارتها وتحقيق الأرباح المطلوبة من العمل بها وستستطيع استغلالها بالشكل الأمثل.

تراجع الدين الخارجي لمصر خلال النصف الأول من العام

جدير بالذكر أن الدين الخارجي لمصر تراجع بصورة ملحوظة خلال النصف الأول من العام الجاري 2024، إذ انخفض بنحو 15.149 مليار دولار بنسبة 9.9%، وبذلك فقد سجل أكبر تراجع في تاريخ المديونية الخارجية.

وتراجع إجمالي الدين الخارجي إلى نحو 152.885 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي 2024 مقارنة بنحو 168.034 مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضي 2023، وفقًا لبيانات البنك المركزي.

زر الذهاب إلى الأعلى