مصر تعيد ترتيب القرن الأفريقي..حرب باردة بين أثيوبيا والصومال
وقعت مصر والصومال اتفاقية عسكرية تاريخية في 14 أغسطس 2024، مما يؤكد التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في القرن الأفريقي.
وبحسب تحليل نشرته مجلة افريكا كونفيدنشال، تشير الاتفاقية إلى تحول حاد في التحالفات الإقليمية، مما يستحضر ذكريات السبعينيات عندما شكلت الخصومات في حقبة الحرب الباردة المنطقة.
يأتي هذا التطور الأخير في أعقاب جهود الوساطة الفاشلة التي بذلتها تركيا بين الصومال وإثيوبيا، مما ترك الدولتين محاصرتين في صراع معقد على النفوذ والأراضي. ولا تزال اتفاقية الدفاع بين مصر والصومال، على الرغم من التكهنات التي تشير إلى أنها تنطوي على دعم عسكري كبير من مصر، محاطة بالسرية، مع عدم إصدار أي بيانات رسمية.
تسلط هذه الخطوة الضوء على إعادة تنظيم أوسع في المنطقة، حيث عادت القوة العسكرية والخطاب القومي إلى الصدارة. وأثارت التكهنات حول دعم القوات المصرية للصومال ضد إثيوبيا خطابًا عامًا واسع النطاق، على الرغم من أن الكثير من الخطاب تخميني.
المقايضة بين إثيوبيا وأرض الصومال وتداعياتها
في قلب النزاع الحالي تكمن مقايضة أعلن عنها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في يوم رأس السنة الجديدة. في مقابل إيجار 20 كيلومترًا من ساحل أرض الصومال في خليج عدن، وعدت إثيوبيا بالاعتراف بسلامة أراضي أرض الصومال – وهي خطوة دبلوماسية لم تقدم عبيها أي دولة في العالم، نظرًا لانفصال أرض الصومال المعلن عن الصومال عام 1991.
أقرا أيضا.. مصر تهيمن عسكريا علي أفريقيا.. الجيش المصري يحتل صدارة أقوي جيوش القارة
بينما تبنى رئيس أرض الصومال موسى بيحي عبدي الاتفاق، ردت بقية المنطقة، وخاصة الصومال، بقلق. أدت هذه الخطوة إلى تفاقم التوترات القائمة، مما أدى إلى انقسامات أعمق داخل المشهد السياسي الإثيوبي وأثارت معارضة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود.
لقد سعى محمود، الذي عزم على مواجهة النفوذ الإثيوبي المتزايد، إلى إقامة تحالفات استراتيجية لإعادة تموضع الصومال في ديناميكيات القوة الإقليمية. ويعكس توقيعه على اتفاقيات دفاع مع كل من تركيا ومصر عام 2024 هذه الاستراتيجية الأوسع نطاقًا، والتي لا تهدف فقط إلى الدفاع عن ساحل الصومال ولكن أيضًا إلى تحدي طموحات إثيوبيا الإقليمية.
مصر وتركيا: إعادة تنظيم إقليمي
يكتسب اتفاق الدفاع بين مصر والصومال أهمية إضافية نظرًا للتقارب الأخير بين مصر وتركيا. كانت الدولتان على خلاف بشأن قضايا مختلفة، بما في ذلك الحرب في ليبيا، والصراع الأهلي في سوريا. ومع ذلك، فإن تعاونهما في منطقة القرن الأفريقي يشير إلى مرحلة جديدة في استراتيجياتهما الإقليمية، وهي المرحلة التي يمكن أن تعيد تشكيل توازن القوى في شرق إفريقيا.
بالنسبة لمصر، يمكن تفسير هذا التحالف العسكري مع الصومال كجزء من استراتيجية كبرى أوسع وخاصة فيما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي الكبير، وهو نقطة خلاف طويلة بين القاهرة وأديس أبابا. ومع ذلك، فإن الدوافع وراء الاتفاق أكثر دقة، حيث تسعى مصر إلى تعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي والحفاظ على مكانتها كلاعب إقليمي رئيسي.
التحولات الأمريكية وطموحات مصر
تأتي اتفاقية الدفاع المصرية مع الصومال في وقت يتحول فيه التركيز الاستراتيجي لواشنطن نحو آسيا وأوروبا الشرقية. تضع مصر نفسها كلاعب رئيسي في منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط، وتسعى إلى اغتنام المبادرة.
كشفت اتفاقية الدفاع بين مصر والصومال أيضًا عن التوترات تزيد من تعقيد العلاقات. يؤكد الاستثمار الضخم الذي تضخه الإمارات في مدينة بربرة الساحلية على التزامها بالمصالح الاستراتيجية لإثيوبيا.
استراتيجية الصومال: المناورة الدبلوماسية على القوة العسكرية
يبدو أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يسعى إلى استراتيجية تركز بشكل أكبر على إعادة ترتيب المواقف الدبلوماسية بدلاً من الصراع العسكري الصريح. من خلال توقيع اتفاقيات مع تركيا ومصر، يبني تحالف دعم ضد المناورات الإقليمية لإثيوبيا.
ومع ذلك، فإن المشهد السياسي والعسكري المجزأ في الصومال يفرض تحديات كبيرة على هذه الجهود. يواجه الجيش الوطني الصومالي، الذي يعاني بالفعل من استنزاف في معركته ضد جماعة الشباب المتطرفة، صعوبات لوجستية واستراتيجية في التنسيق مع شركاء أجانب متعددين، بما في ذلك تركيا ومصر وجيبوتي وأوغندا.
تعكس استراتيجية حسن شيخ أيضًا اعتبارات سياسية محلية، حيث تعمل الخطابة القومية على تعزيز مكانته قبل الانتخابات الرئاسية القادمة في الصومال. ومع ذلك، فإن موقفه العدواني يخاطر بتنفير اللاعبين الإقليميين الرئيسيين مثل كينيا وجيبوتي، في حين يضعف الهيكل الفيدرالي الهش في الصومال.
الاستجابة الإثيوبية: القومية والخطوات الدبلوماسية الخاطئة
ردت إثيوبيا كذبا على الاتفاق المصري الصومالي، حيث أدعى المسؤولون العسكريون الإثيوبيون أن مصر “عدوهم التاريخي”. أخطأ رئيس الوزراء أبي أحمد، الذي فشلت مغامراته في السياسة الخارجية في كثير من الأحيان، في تقدير مدى استعداد الصومال لتحدي نفوذ إثيوبيا في المنطقة. لقد أدى تركيزه على توسيع دور إثيوبيا في منطقة القرن الأفريقي ليس فقط إلى نفور الصومال، بل وأيضاً بعض الشركاء الداخليين والخارجيين الرئيسيين لإثيوبيا.