مصر وتركيا.. عصر جديد من العلاقات تدعم استئناف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية

القاهرة (خاص عن مصر)- في أعقاب الديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة، تحمل العلاقة المتطورة بين مصر وتركيا وعدًا باستئناف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وهي قضية بالغة الأهمية ظلت بعيدة عن الحل لفترة طويلة.

ووفقا لتحليل، المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، فإن مصلحة البلدين المشتركة في تعزيز القضية الفلسطينية، إلى جانب العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية المتنامية بينهما، يضع هاتين القوتين الإقليميتين كلاعبين مؤثرين محتملين في جهود السلام في الشرق الأوسط.

عصر جديد من العلاقات المصرية التركية

كانت القمة المصرية التركية في أنقرة في الرابع من سبتمبر 2024 بمثابة تتويج لأكثر من ثلاث سنوات من الجهود الرامية إلى إصلاح العلاقات التي توترت منذ الربيع العربي.

وقد مهد التحول الاستراتيجي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان – التخلي عن دعمه السابق للإسلام السياسي لصالح إعادة بناء العلاقات مع الدول العربية الرئيسية – الطريق لتعزيز التعاون.

إن هذا التحول مدفوع بمجموعة من العوامل الإقليمية والدولية والمحلية، بما في ذلك رغبة تركيا في الحصول على رأس المال والاستثمارات الخليجية.

بدأت تحولات أردوغان بالمصالحات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لكن علاقته بمصر ظلت أكثر تعقيدًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاختلافات الإيديولوجية.

على الرغم من التوترات السابقة، نجح البلدان في تنمية علاقاتهما الاقتصادية، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية ما يقرب من 7 مليارات دولار في عام 2023، وهذه زيادة كبيرة عن 5 مليارات دولار المسجلة في عام 2013 وتناقض صارخ مع الانخفاض الأولي في التجارة بعد التوترات الدبلوماسية.

اقرأ أيضا.. تعويذات وحرباء.. اعتقال شخصين عينهما معارض في زامبيا لسحر الرئيس

التعاون الاقتصادي وسط الخلافات السياسية

في حين أدت التوترات السياسية، وخاصة بشأن دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين وحماس، إلى توتر العلاقات، ازدهر التعاون الاقتصادي، وقد ارتفعت التجارة بين مصر وتركيا، وهناك تطلعات لتوسيع هذا بشكل أكبر.

كان أحد مجالات النمو الرئيسية هو الاستثمارات، حيث اقتربت القيمة السوقية لتركيا في مصر من 3 مليارات دولار، وعلى الرغم من الاضطرابات العرضية، بما في ذلك تعليق خطوط الشحن في البحر الأبيض المتوسط ​​بسبب المخاوف الأمنية، فإن إمكانات التعاون تظل قوية، وخاصة مع تحول موقف تركيا تجاه إسرائيل والدور الرئيسي الذي تلعبه مصر في تيسير السلام الإقليمي.

الأهداف المشتركة: دعم القضية الفلسطينية

لقد دافعت كل من مصر وتركيا منذ فترة طويلة عن القضية الفلسطينية، مما يجعل تعاونهما على هذه الجبهة مجالاً واعداً للغاية، ومع بقاء الوضع في غزة مزرياً، تسعى كل من الدولتين إلى حل الصراع، حيث تلعب مصر دور الوسيط المحوري.

في حين تتقاسم تركيا أهداف مصر لإنهاء الحرب، وتأمين الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وضمان المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، فإنها تفتقر إلى القنوات المباشرة التي تتمتع بها مصر مع إسرائيل وقربها الجغرافي من الصراع.

وتجلى هذا الهدف المشترك بالفعل في سياق الجهود الإنسانية، فقد سعت تركيا إلى الحصول على مساعدة مصر لتسهيل مرور المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة، مما يؤكد أهمية التعاون الثنائي في إدارة الأزمات الإقليمية.

موقف تركيا من حماس: سيف ذو حدين

أدى دعم تركيا الكامل لحماس إلى تعقيد دورها في مفاوضات السلام، منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، دعم أردوغان حماس صراحةً، ووصفها بأنها حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

تسبب هذا الموقف في توترات مع إسرائيل، التي رفضت قبول مشاركة تركيا المباشرة في أي محادثات سلام، كما تقوضت قدرة تركيا على التأثير على الوضع بسبب دعمها الصريح لحماس، مما يجعل من الصعب العمل كوسيط محايد.

على الرغم من ذلك، سعت تركيا إلى الاستفادة من علاقاتها القوية مع حماس للمساعدة في التوسط في السلام، وهو الدور الذي لعبته مصر بشكل أكثر فعالية على مر السنين.

إن الخبرة الطويلة لمصر كوسيط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إلى جانب قدرتها على إشراك القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، توفر لها ميزة فريدة في الدفع نحو اتفاق سلام دائم.

ردود الفعل الدولية: الموقف المشترك لمصر وتركيا

على الساحة الدولية، اتفقت مصر وتركيا في إدانتهما لأفعال إسرائيل في غزة والضفة الغربية، داعين إلى المساءلة في المحاكم الدولية.

أيدت الدولتان الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بسبب انتهاكات مزعومة لاتفاقية الإبادة الجماعية، وهو ما سلط الضوء على موقفهما المشترك بشأن ضرورة مواجهة إسرائيل للتدقيق الدولي بشأن أفعالها.

ومع ذلك، هناك اختلافات في كيفية تعامل مصر وتركيا مع القضية الأوسع نطاقاً المتمثلة في إسرائيل. فقد اتخذت مصر، التي تلتزم باتفاقية السلام مع إسرائيل، نهجاً أكثر حذراً في المواجهة المباشرة. وعلى النقيض من ذلك، دعت تركيا إلى تشكيل تحالف إسلامي أوسع نطاقاً لتحدي سياسات إسرائيل ليس فقط في فلسطين بل وأيضاً في سوريا ولبنان وإيران.

اقرأ أيضا.. لاعب إلكتروني يسرب وثائق عسكرية سرية عبر الإنترنت حول طائرة يوروفايتر تايفون

الإمكانات المتاحة للتعاون: رؤية مشتركة للاستقرار الإقليمي

على الرغم من التوترات التاريخية، فإن النفوذ المشترك الذي تتمتع به مصر وتركيا ــ بدعم من عدد سكانهما الضخم وقواتهما العسكرية القوية ــ يمنحهما القدرة على لعب دور حاسم في إعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية.

مع وجود ما يقرب من نصف سكان الشرق الأوسط تحت حكمهما، فإنهما تمتلكان القدرة على صياغة حقبة جديدة من التعاون يمكن أن تمتد إلى ما هو أبعد من العلاقات الثنائية وتؤثر على المنطقة الأوسع.

إن الإمكانات المتاحة لمصر وتركيا لدفع مرحلة جديدة من محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، إذا تم استغلالها على النحو اللائق، يمكن أن تؤدي إلى حل هادف للصراع الطويل الأمد.

إن توافقهما في التعامل مع القضايا الحرجة، إلى جانب أدوارهما كقوى إقليمية، يضعهما في وضع فريد ليس فقط للتوسط بين إسرائيل وفلسطين، بل وأيضاً للعمل نحو تهدئة التوترات الأوسع نطاقاً في الشرق الأوسط.

وفي حين تظل التحديات قائمة، فإن القمة المصرية التركية تمثل بداية مرحلة مفعمة بالأمل في الدبلوماسية الإقليمية. وبفضل المصالح المشتركة والعلاقات الاقتصادية المتنامية، أتيحت لمصر وتركيا الفرصة للعب دور محوري في تعزيز جهود السلام في غزة وخارجها، وهو ما يظهر قوة التعاون في السعي إلى تحقيق شرق أوسط أكثر استقرارا وعدالة.

زر الذهاب إلى الأعلى