مصر وروسيا تعززان علاقتهما.. طفرة تجارية ومشاريع استراتيجية تدفع شراكتهما
شهدت العلاقات الثنائية بين مصر وروسيا نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث اتسمت بزيادة التجارة والمشاريع الاستراتيجية والتعاون الإقليمي، وذلك وفقا لتحليل نشره كيستر كين كلوميغا، في موقع أوراسيا ريفيو.
ومع تحول مصر إلى أحد الشركاء الرئيسيين لروسيا في أفريقيا، فإن التعاون بين البلدين يمتد إلى ما هو أبعد من الروابط الاقتصادية، مع مشاريع حاسمة مثل تطوير الطاقة النووية والمبادرات الصناعية.
وأضاف كلوميغا، الذي يشغل منصب الممثل الخاص لأفريقيا في مجلس إدارة مجلس التجارة والتنمية الاقتصادية الروسي، أنه رغم التحديات الجيوسياسية، وخاصة موقف مصر من غزو روسيا لأوكرانيا، فقد حافظت الدولتان على علاقات دبلوماسية واقتصادية قوية.
ارتفاع التجارة الثنائية: مسار إيجابي
شهدت التجارة بين روسيا ومصر نموًا ملحوظًا، حيث تجاوز حجم التجارة الثنائية 7 مليارات دولار في عام 2023، وهي زيادة كبيرة عن السنوات السابقة. ووفقًا لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، فإن هذا الاتجاه يعكس التصميم المتبادل لكلا البلدين على تعزيز العلاقات الاقتصادية. وأكد لافروف، بعد اجتماعه مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في موسكو، على استقرار صادرات الحبوب الروسية إلى مصر، وهو عنصر حاسم في علاقاتهما التجارية.
أقرا أيضا.. مصدرو العنب المصريون يرحبون بارتفاع الطلب رغم انخفاض الأسعار
أكد لافروف على أهمية الحفاظ على هذا الزخم: “إن الديناميكيات الإيجابية لتفاعلنا التجاري والاقتصادي مشجعة للغاية… إنه تصميمنا المشترك على بذل كل ما في وسعنا من أجل استمرار هذا الاتجاه الإيجابي وتعزيزه”. ويبرز هذا النمو بشكل خاص في ضوء التحديات الخارجية التي تواجهها الدولتان، بما في ذلك التوترات الجيوسياسية وعدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.
وأكد أنطون عليخانوف، وزير التجارة والصناعة الروسي، تفاؤل لافروف، مشيرًا إلى أنه في النصف الأول من عام 2024، نما حجم التجارة بين البلدين بنسبة الثلث. وقال إن مصر تظل أكبر شريك تجاري لروسيا في أفريقيا، حيث أظهرت الشركات الروسية اهتمامًا متزايدًا بالسوق المصرية. وعلى الرغم من الاضطرابات الاقتصادية العالمية، فقد تعززت مكانة مصر كمركز تجاري حاسم لروسيا، وخاصة في أفريقيا.
المشاريع الاستراتيجية: محطة الضبعة النووية والمنطقة الصناعية الروسية
إلى جانب التجارة، تتعاون روسيا ومصر أيضًا في مشاريع استراتيجية مهمة، وأبرزها بناء محطة الضبعة للطاقة النووية. تم الاتفاق على المشروع مبدئيًا في عام 2015، وبدأ البناء في عام 2023 بعد القمة الروسية الأفريقية الثانية في سانت بطرسبرغ. تم تمويل المشروع، الذي تقدر قيمته بنحو 28.75 مليار دولار، في المقام الأول من قبل روسيا، التي قدمت لمصر قرضًا حكوميًا يغطي 85٪ من التكلفة. سيتم سداد هذا القرض، بقيمة 25 مليار دولار، على مدى 22 عامًا بمعدل فائدة سنوي قدره 3٪.
لا يعد مشروع الضبعة رمزًا للعلاقات الثنائية المتنامية فحسب، بل إنه أيضًا انعكاس لطموحات روسيا الأوسع لتعزيز موطئ قدمها في قطاع الطاقة الأفريقي. ومن المتوقع أن يكتمل المشروع بحلول عام 2028-2029، ومن المقرر أن يوفر لمصر مصدرًا مستدامًا للطاقة، مما يقلل من اعتمادها على الوقود الأحفوري ويعزز أمنها في مجال الطاقة.
بالإضافة إلى المشروع النووي، تشارك روسيا أيضًا في إنشاء منطقة صناعية روسية في منطقة قناة السويس بمصر. تهدف هذه المنطقة إلى تعزيز التعاون الصناعي وزيادة الاستثمارات الروسية في مصر. من خلال إنشاء مركز تصنيع قريب من طرق الشحن العالمية الرئيسية، تأمل روسيا في الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لمصر لمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية الأوسع.
الديناميكيات الإقليمية والجيوسياسية: موازنة التعاون مع وجهات النظر المتباينة
في حين ازدهر التعاون التجاري والاقتصادي بين روسيا ومصر، لا تزال الخلافات الجيوسياسية قائمة. يسلط تصويت مصر لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدين غزو روسيا لأوكرانيا الضوء على تباين رئيسي في مواقفهما الدبلوماسية.
بالإضافة إلى ذلك، خلال قمة روسيا وأفريقيا 2023، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى تجديد صفقة الحبوب في البحر الأسود، والتي من شأنها أن تسمح لأوكرانيا بتصدير الحبوب عبر البحر الأسود. وعلى الرغم من هذه الخلافات، ظلت مصر حليفًا رئيسيًا في استراتيجية روسيا الأفريقية الأوسع.
وناقش وزيرا الخارجية لافروف وعبد العاطي خلال لقائهما قضايا دولية وإقليمية مختلفة، بما في ذلك الأزمات المستمرة في قطاع غزة وسوريا وليبيا والسودان والقرن الأفريقي. ويوضح نطاق هذه المناقشات أهمية مصر كوسيط إقليمي واهتمام روسيا بالحفاظ على علاقات دبلوماسية قوية مع القاهرة وسط الديناميكيات المتغيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.